بعض الناس يقضون صيفهم بدون فعل أي شيء، والبعض يسافر، والبعض يذهب بأبناءه إلى المراكز الصيفية، والبعض يشجعهم على العمل في بعض المؤسسات لكي يحصلوا على مكافئة مالية، الصيف باختصار موسم للتغيير والتجديد، وهو للبعض موسم للنوم طول النهار والسهر إلى الفجر وتضييع المزيد من الوقت والمال في اللهو المباح وغير المباح.
عندما يعمل الطالب في الصيف لدى مؤسسة ما، فإنه في الغالب سيعمل في مؤسسة حكومية، وستلقى عليه بعض المسؤوليات البسيطة، وغالباً سيتعامل مع الأوراق والملفات، أي عمل روتيني ممل، عمل لا ينمي فكره ولا يغرس قيمة ولا يطور مهارة، وكل هذا مقابل مبلغ بسيط يحصل عليه آخر الصيف، صحيح أن عمله الروتيني هذا يبعده عن مفاسد الفراغ، لكن ألا نستطيع أن نجعل العمل أكثر فائدة بالنسبة للطالب؟
لا أنكر وجود مؤسسات تحرص على توظيف بعض الطلبة في الصيف وتحرص على تدريبهم وتنمية مهاراتهم، لكن الصورة العامة التي أشاهدها هي التي وصفتها من قبل، الطالب يبحث عن وظيفة من أجل مكافئة أو لقضاء وقته في الصيف في شيء مفيد بدلاً من التسكع، والمؤسسة لا تحرص على تقديم فائدة للطالب.
المراكز الصيفية لها وضع مختلف، بعض المراكز حريصة على الجوانب التربوية، وتحرص على تنمية مهارات الملتحقين بالمركز، وبعضها ما هو إلا مركز لاستهلاك أوقات الطلاب في اللهو المباح ولا تقدم فائدة كبيرة للطلبة.
بعض المراكز تستقبل مئات الطلاب، ومع وجود عدد كبير من الطلاب يصعب على مسؤولي المركز الصيفي تقديم فائدة حقيقة للجميع، وقد جربت هذا من قبل، مع وجود عدد كبير من الطلبة يصعب على المشرف أن يركز على الجوانب التربوية، فهو يقضي معظم وقته في التنظيم والإدارة بدلاً من القيادة والتربية.
أما برامج المراكز الصيفية فهي الآن مكررة لا إبداع فيها إلا القليل منها، غالباً يكون برنامج المركز الصيفي عبارة عن أنشطة رياضية كالسباحة وكرة القدم، قد تضيف بعض المراكز الكاراتيه ورياضات أخرى، ثم هناك أنشطة ترفيهية ورحلات ودورات حاسوب بسيطة.
مرة أخرى لا يمكن تعميم ما قلته أعلاه على كل المراكز الصيفية، لكن هذه هي الصورة العامة التي أراها، ونحن بحاجة إلى أن نفكر في كل هذه الجهود والساعات والأموال التي تنفق على الأنشطة الصيفية، هل هي فعلاً مفيدة وتضيف قيمة للطلبة أم أنها فقط لاستهلاك أوقات الطلبة؟
### مشروع أردفارك
هذا المشروع أعجبني وأعتقد أننا يمكن الاستفادة من فكرته لكي ننقل فائدة ونعلم الطلبة شيئاً يفيدهم في حياتهم العملية.
أعلن [جول](http://www.joelonsoftware.com/) في موقعه عن [حاجته لمصور أفلام وثائقية](http://www.joelonsoftware.com/articles/DocumentaryFilmmakerWante.html) لكي يصور مشروعاً تقيمه شركة [FogCreek](http://www.fogcreek.com/index.html) في الصيف، وقد سبق ذلك أن أعلنت الشركة عن توظيفها أربعة أشخاص في المشروع الصيفي وتقدم للحصول على هذه الوظائف 800 طالب! اختارت الشركة أربعة منهم، وبدأ مشروع [أردفارك](http://www.projectaardvark.com/index.html) واختير [Lerone Wilson](http://www.boondogglefilms.com/) كمصور للمشروع.
المشروع بكل بساطة عبارة عن ثلاثة مبرمجين يقومون بإنشاء منتج ما، والشخص الرابع سيركز على التسويق والإعلان وتشكيل علامة تجارية للمنتج، هذا كله يتم في [مقر](http://www.joelonsoftware.com/articles/BionicOffice.html) شركة FogCreek وتحت إشراف جول الذي قام بعمل [تجهيزات](http://www.projectaardvark.com/archive/may.html) كثيرة للمشروع (أنظر الصور في أسفل الصفحة)، فقد اشترى حاسوباً حديثاً قوياً لكل طالب، ولكل حاسوب شاشتان من نوع LCD، ولم ينسى شراء كتب مفيدة حول البرمجة للمبرمجين الثلاثة وكتب حول التسويق والإدارة للطالب المسؤول عن تسويق المنتج.
جول هذا مبرمج محترف وكما يبدو لي رجل أعمال ناجح أيضاً، وهو بالتأكيد كاتب يتقن الكتابة ويكفي أن موقعه مترجم إلى تسع وعشرين لغة، ويقرأه العديد من المبرمجين حول العالم وآراءه تناقش في مختلف المواقع المهتمة بتطوير البرامج، وقام بنشر ثلاثة كتب، وقد كان جول يعمل مديراً لبرنامج إكسل في مايكروسوفت بين عامي 1991م و1994م، وابتكر لغة برمجة خاصة لإكسل هي بيسك إكسل التي تحولت إلى فيجوال بيسك للتطبيقات والتي تستخدمها مايكروسوفت الآن في أوفيس وفي برامج أخرى.
ثم انتقل للعمل في شركات أخرى وفي عام 2000 قام بإنشاء شركته الخاصة FogCreek.
الطلبة المشاركون في مشروع أردفارك هم طلبة جامعيون يتعلمون البرمجة بشكل أكاديمي في جامعاتهم، أما في مشروع أردفارك يتعلم هؤلاء استخدام لغات برمجة حديثة مثل سي شارب، ويتعلمون أيضاً كيف يقومون بإنشاء منتج يلبي احتياجات السوق، ومدة المشروع عشرة أسابيع تتضمن برمجة المنتج وإنتاجه وتسويقه وبيعه وتحصيل الأرباح.
ما الذي سيستفيده هؤلاء من المشروع؟ في البداية صقل مهاراتهم في البرمجة لأنهم يكتسبون خبرة مبرمج معروف مثل جول، وسيتعرف هؤلاء على واقع السوق الذي سيدخلونه بعد تخرجهم من الجامعة، في حين أن غيرهم من الطلبة سيدخلون في نفس التجربة بعد التخرج، لكن مشروع أردفارك ليس الهدف منه بيع المنتج بقدر ما يهدف إلى تعليم الطلبة الأربعة خبرات عملية، في حال فشلهم لن يحدث شيء فهم مستفيدون في النهاية، أما الطالب الذي تخرج حديثاً من الجامعة قد لا يستطيع تحمل فشله في أي مشروع .
بعد أن ينتهي المشروع ستنتج شركة FogCreek فيلماً وثائقياً حول التجربة، وفي شهر أغسطس سينتهي المشروع وسنعرف النتائج، لا شك لدي أن الطلبة في نهاية المشروع سيتحدثون عن التجربة بشكل إيجابي وسيكتبون عن الفائدة والخبرة التي حصلوا عليها من هذه التجربة، لا يهم إن نجح المنتج أو فشل فشلاً ذريعاً، المهم هي التجربة ذاتها.
### هل سنرى مشاريع مماثلة لدينا؟
نحن بحاجة إلى أن نقوم بعمل مشاريع مماثلة، ولا أنسى أن الوضع في مجتمعاتنا مختلف، لكن يمكننا أن نستفيد نحن أيضاً من مشروع أردفارك، في البداية هناك شخص لديه خبرة كبيرة هو الذي بادر بعمل هذا المشروع، جاء الطلبة وأعطاهم كتباً ليقرأوها ثم بدأ في إدارة المشروع وشرع الطلبة في إنشاء منتج ما لم يفصحوا عنه حتى الآن، سيعرض المنتج في معرض [CFUNITED](http://www.cfunited.com/) في التاسع والعشرين من هذا الشهر وسيحتك الطلبة بالزبائن وبالمنافسين، وسيقوم الطلبة بإنشاء موقع خاص للمنتج لبيعه وتقديم الدعم الفني لمن اشتراه.
تبدو لي تركيبة مثالية لمشروع صيفي يتعلم فيه الطالب أشياء كثيرة، قارنوا هذا بما يحدث في المراكز الصيفية وفي المؤسسات التي توظف بعض الطلبة، وأترك لكم الحكم.