الأربعاء، 19 يوليو 2006

أمراض المثقفين

ثلاثة أمراض أراها في بعض المثقفين أو الكثير منهم، أرها في أناس مميزين، أناس لديهم طاقة وإبداع ومهارات، أمراض تجعلني أرغب في بعض الأحيان أن أمد يدي لأخنق هذا الإنسان المميز لأن أمراضه سبب في تأخرنا.

التكبر على المجتمع، هذا مرض يجعلني أكره الإنسان المصاب به، وأود حقاً أن أخنقه، لا يمكنني أبداً بأي شكل من الأشكال أن أحترم شخصاً يرى نفسه فوق الناس، مهما كانت ثقافته وعلمه وإنجازاته، كل هذا لا يشفع له أن يتكبر على الآخرين.

للأسف كتابات بعض الأدباء والمفكرين والمثقفين والصحفيين تفوح منها رائحة التكبر العفنة، ينتقدون المجتمع بطريقة تتصور فيها أن أفراد مجتمعاتهم ما هم إلا حشرات قذرة، يصفون الناس بالتخلف والرجعية والتعلق بالخرافات والدجل، يمارسون شتى أنواع الإرهاب الفكري فيعطون لأنفسهم حق استخدام أحط الألفاظ مع من يخالفونهم الرأي ولا يرضون لأي شخص أن يستخدم نفس الأسلوب عليهم.

قد يكون من خالفهم الرأي شخصاً كتب بأسلوب طيب لم يستخدم فيه ألفاظاً بذيئة، لكن هذا لن يشفع له في مواجهة هؤلاء الذين تكبروا على الناس بعلمهم وثقافتهم.

المتكبر كالواقف على الجبل، يرى الناس صغاراً ويرونه صغيراً، لكنه لا يعلم ذلك وربما لا يريد أن يعلم، وإن كان المتكبر مثقفاً أو عالماً أو صحفياً فتكبره على المجتمع جريمة، لأن هؤلاء يفترض بهم أن يزدادون تواضعاً كلما ازدادوا علماً، ويفترض بهم أن ينزلوا إلى الشارع ويتحدثوا مع عامة الناس ليزيدونهم ثقافة وعلماً وإدراكاً.

أما المرض الثاني فهو اليأس، قلت كثيراً: أنا متفائل بطبعي، مع أنني في الكثير من الأحيان أتحدث عن السلبيات وعن مصائبنا وعن كل شيء أسود في حياتنا، مع ذلك أرى الأمل دائماً موجود ما دمت حياً، أنظر في المستقبل القريب فلا أرى أملاً، لكن الأمل هناك، في المستقبل البعيد، الذي قد لا أراه أبداً في حياتي، لكن الأجيال القادمة ستراه، ستعيش تفاصيله.

أكره اليأس واليائسين، هؤلاء الناس مرضهم معدي ينتقل من شخص لآخر، لذلك لا تجلس معهم واجعل بينك وبينهم حاجزاً حتى لا تصاب بالعدوى فيموت الأمل في قلبك.

كم قرأت لأناس مثقفين وعلماء مقالات يصفون فيها مدى اليأس الذي وصلوا له، أحدهم يشتكي من ضعف الإقبال على القراءة، أرسلت له على بريده الإلكتروني تعليقاً أسأله فيه: ماذا فعلت لكي تعالج هذه المشكلة التي وصفتها في مقالتك؟

كنت أنتظر رداً منه، أي رد حتى لو شتمني فيه، على الأقل أعرف أنه شخص حي لكنه لم يرد علي بكلمة، يبدو أنه وغيره من الذين يكثرون الشكوى يحبون فقط أن يشتكون ويسمع لهم الناس ليندبوا حظهم ويبكون على كل شيء ثم ينتهي العزاء ولا يقوم عاقل منهم ليقول: دعونا نفعل شيئاً.

إن كنت يائساً فلا داعي لأن تكتب أي شيء أو تفعل أي شيء، اهتم بنفسك ودع الآخرين يعملون.

بقي الخوف، وهو في رأيي مرض يسهل علاجه على عكس التكبر واليأس، وكل الناس يعانون من الخوف وبدرجات متفاوتة، شخصياً أجد نفسي متهوراً في بعض الأحيان عندما أتحدث عن أي قضية، لا يهمني مدى حساسية القضية ولا مدى خطورتها، من ناحية أخرى أدرك أنني ضيعت العديد من الفرص في الماضي لمجرد أنني كنت خائفاً منها.