الثلاثاء، 21 نوفمبر 2006

الثقافة الحرة

ملاحظة: هذا نص الكلمة التي ألقيتها بالأمس في الملتقى لجمعيات الإنترنت العربية.

قبل أن أبدأ معكم في هذا الموضوع أود أن أتحدث عن ثلاث نقاط أساسية:

  • عندما كنت أعد لمحاضرتي هذه توصلت إلى استنتاج بسيط: ما سأتحدث عنه اليوم ليس جديداً علينا، مبادئ تبادل المعرفة وأخلاقيات مشاركة الآخرين بالعلم ليست أموراً غريبة عنا، في ديننا وتاريخنا ما يحثنا على المشاركة بالمعرفة وتعليم الآخرين والتعلم الذاتي، لكننا ابتعدنا عن هذه القيم، بعد ذلك نعود لنكتشفها مرة أخرى من خلال دعوات في الغرب.
  • ما هي الثقافة الحرة؟ ما أعنيه هنا بالثقافة أي عمل فكري سواء كان مقالات أو كتباً أو صوراً فوتوغرافية أو برامج الفضائيات أو الإذاعات وأي عمل فكري آخر، أما الحرة فأعني بها إمكانية تبادل هذه الثقافة والفكر بدون أي عوائق أو بشروط بسيطة.
  • لو أردنا أن نبسط فكرة الحاسوب ونفهم الهدف منه لقلنا أن الحاسوب لديه وظيفتان، إما استهلاك أو إنتاج المعرفة، فأنت عندما تزور المواقع وتقرأ ما فيها وتشاهد ملفات الفيديو فأنت تستهلك المعرفة، ويمكنك من خلال الحاسوب إنتاج المعرفة إن أردت، هذه نقطة مميزة للحاسوب لا يمكن لأي وسيلة إعلامية أخرى أن تقدمها.

قصص من المستقبل والماضي

لدي ثلاث قصص، الأولى من المستقبل، في 20 نوفمبر 2010م كان نظام التعليم مختلفاً في الدولة، المعلم دوره موجه ومدرب ولا يلقن الطلاب العلم، بل يدربهم على التعليم الذاتي والتفكير المستقل، كانت المدارس تطلب من الطلبة واجبات إلكترونية، في إحدى المدارس طلب مدرس من كل طالب أن يقوم بعمل كتاب إلكتروني تفاعلي عن أي موضوع، أحد الطلاب ولنسمه سعيد قرر أن يقوم بعمل كتاب عن تراث الإمارات.

في المنزل زار موقعاً معروفاً اسمه موسوعة تراث الإمارات، هذا الموقع غني بالمحتويات العميقة المتخصصة في تراث الإمارات، هناك مقالات وكتب وملفات صوتية ومرئية وصور، جمع سعيد شيئاً من المقالات والصور وملفات الفيديو في كتاب إلكتروني تفاعلي وأنجز واجبه ثم أرسله إلى المدرس من خلال خدمة ويب خاصة بالمدرسة واطلع المدرس على الواجب في منزله ثم أعطاه العلامة وبعض الملاحظات، بعد ذلك قام المدرس بنشر الكتاب الإلكتروني في موقع المدرسة.

حدث هذا في عام 2010م، لنعد إلى واقعنا، هل يمكن أن تحدث هذه القصة في وقتنا الحاضر؟ الإجابة: لا ولأسباب عديدة، أحد هذه الأسباب هو فقر المحتويات الإلكترونية العربية، نعم هناك عشرات المواقع المفيدة لكن نحن بحاجة إلى المزيد.

أما قصة الماضي فهي معروفة وربما مر بها أكثركم، كانت المدارس تطلب نشاطاً مدرسياً من الطلاب، وفي الغالب نقوم بعمل لوحة حائط نضع عليها صوراً مقصوصة من بعض الصحف والمجلات وننسخ مقالات من مصادر مختلفة فتصبح لدينا لوحة مدرسية نفتخر بها لدقائق معدودة وتبقى معلقة لشهر أو شهرين وفي آخر العام ترمى في سلة المهملات!

نسخ المقالات من المجلات والصحف يخالف قانون حقوق المؤلف لأننا لم نستأذن من صاحب الحق، وأنا متأكد أن أصحاب المجلات لن يجدوا مشكلة في نسخ الطلبة للمقالات لاستخدامها في أنشطة المدرسة، فكيف نعالج هذه المشكلة؟ كيف يمكننا أن نسمح للناس أن يشاركوا بمحتوياتهم مع الآخرين بدون أن نخالف القانون أو نهضم حق شخص ما؟

قصة أخيرة من إسبانيا وبالتحديد من غرب إسبانيا حيث تقع مقاطعة إكستريمادورا، حكومة هذه المقاطعة وضعت في مدارسها أكثر من 60 ألف حاسوب، هذه الحواسيب تستخدم توزيعة خاصة من جنو/لينكس اسمها GnuLinEx، تدعم الحكومة هذه التوزيعة وتساهم في تطويرها وترجمتها إلى اللغة الإسبانية، وتستخدم المدارس برامج عديدة للتعليم أبرزها سكويك.

هذا البرنامج هو في الحقيقة لغة برمجة قوية ولها واجهة خاصة، يمكن للمستخدم أن يعتمد كلياً على هذه اللغة لفعل أي شيء، أعني هنا أن سكويك يمكن أن تحل مكان نظام التشغيل والبرامج الأخرى، الأطفال في المدارس لا يتعاملون مع لغة البرمجة ولا يحتاجون إلى كتابة شيء من الأوامر، بل هم يتعاملون مع واجهة الاستخدام السهلة التي تبسط عملية إنشاء العديد من البرامج بدون الحاجة إلى كتابة أمر واحد.

هذه اللغة بالطبع غير مخصصة فقط للأطفال بل يمكن استخدامها في مجال الأعمال وتطوير المواقع أيضاً.

بإمكانكم مشاهدة فيلم فيديو مدته ثمانية عشر دقيقة حول سكويك في مدارس إكستريمادورا لتعرفوا المزيد من التفاصيل.

المميز هنا أن قصة 2010 التي تحدثت عنها سابقاً تحدث في إسبانيا اليوم، الطلبة يفكرون بأنفسهم ويقومون بعمل برامج تفاعلية ينسخون محتوياتها من الشبكة، المدرس دوره التوجيه لا التلقين، هناك عناصر اجتمعت لإنجاح هذه التجربة، منها:

  • وجود محتويات حرة في الشبكة يمكن للطلبة الاستفادة منها.
  • استخدام برامج حرة تلبي احتياجات المدرسة وأهمها سكويك.

مشكلتان

في عالمنا العربي الوضع مختلف عن الغرب ويتفاوت هذا الاختلاف من دولة إلى دولة، لكي نشجع الثقافة الحرة لا بد من معالجة مشكلتان، الأولى هي القانون، والقانون مشكلته أنه مجهول من قبل كثير من الناس، هل يستطيع أحدكم أن يشرح لنا قانون حقوق المؤلف؟ أو الملكية الفكرية؟ شخصياً لا أفهم الكثير في هذه القوانين، ومعرفتي بقوانين أمريكا في هذا المجال أفضل من معرفتي بقوانين الإمارات، نحن بحاجة إلى أناس متخصصين في مجال القانون والتشريع لكي يشرحوا لنا ما هي مسؤولياتنا وحقوقنا تجاه الأعمال الفكرية.

النقطة الثانية حول مشكلة القانون هي عدم الاهتمام بتطبيق القانون سواء من قبل المؤسسات الحكومية أو الأفراد، هناك من يخالف قوانين كثيرة كل يوم ولا يجد في ذلك أدنى حرج، وبعض الناس يلتزمون بالقانون ويجدون سخرية من قبل الآخرين، لدينا مشكلة عدم احترام سلطة القانون لأنه ينتهك من قبل المجتمع بكامل أطيافه.

هناك محلات تضع نسخاً غير رسمية من نظام التشغيل ويندوز لحواسيب الزبائن، المواقع تتناسخ كل يوم، يمكن شراء موقع بمحتوياته ومنتدى بأعضاءه بمبلغ لا يزيد عن 1500 درهم إماراتي!

المشكلة الثانية هي المحتويات:

  • فهي الآن فقيرة حتى مع وجود كل المواقع العربية الجيدة التي تستحق كل تقدير، وأعني بالفقر هنا ضعف مستوى المحتويات وقلتها، نحن بحاجة إلى أضعاف أضعاف المحتويات العربية الجيدة المتوفرة اليوم، وبحاجة إلى تغطية مجالات لم تعط حقها إلى اليوم.
  • يصعب إنتاجها، فحتى ينتج المرء فكراً لا بد أن يكون لديه فكر، لا بد أن يكون شخص مطلع لديه معرفة، لكن هناك محتويات لا تحتاج إلى كل هذا بل تحتاج إلى أدوات وإبداع وسنتحدث عنها لاحقاً.
  • تحتاج إلى وقت، البعض لا يجد مشكلة في الجلوس ساعات أمام التلفاز لكنه سيجد صعوبة في تقبل فكرة قضاء ربع ساعة من أجل كتابة موضوع في موقع ما، والمحتويات الجيدة بحاجة إلى وقت لإنشاءها، المقالة في بعض الأحيان تأخذ مني ما يزيد عن ساعتين لكتابتها، الكتاب الجيد قد يحتاج إلى أشهر لإنهاءه، مشكلة الوقت لا حل لها سوى أن نخصص وقتاً لإنشاء المحتويات.

أدوات قانونية

لكي نعالج مشكلة القانون لا بد من التوعية، لا بد من العمل على احترام القانون وتطبيقه من قبل كافة الأفراد، لا بد أن يطبق القانون على الناس جميعاً، بدون ذلك لن يكون للقانون سلطة ولا احترام، ولن تجدي الحلول نفعاً.

أما حل مشكلة نشر المحتويات لتكون حرة فقد سبق أن تحدثت عنه في موضوع بعنوان رخص المحتويات الحرة، وهي حل جيد لبعض مشاكل القانون، نحن بحاجة إلى رخص حرة وهذه الرخص متوفرة وأصحابها لديهم خبرة وتجربة وعلينا الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم.

هناك أمثلة عديدة لمحتويات على الشبكة تستخدم رخص المحتويات الحرة:

  • فيلم Elephants Dreams احتاج إلى ثمانية أشهر لإخراجه، واستخدم برامج حرة لتطويره، من أهمها برنامج التصميم ثلاثي الأبعاد بلندر، الفيلم هدفه تأكيد إمكانية تعاون الفنانين والمخرجين لإنتاج فيلم عبر الشبكة وباستخدام برامج حرة، في المرحلة النهائية من إخراج الفيلم هناك عملية تحتاج إلى حاسوب قوي لكي تظهر الصورة ثلاثية الأبعاد كما أرادها الفنان، هذه العملية احتاجت إلى سوبر كمبيوتر من جامعة أمريكية واستغرقت 125 يوماً لإنجازها!
  • هناك مئات الكتب وآلاف المواقع والصور التي نشرت بهذه الرخصة، منها على سبيل المثال: مشروع الكتاب المفتوح من دار النشر O'Reilly، مشروع المكتبة المفتوحة وغيرها.

لكن هناك مشكلة، هل محاكمنا وأنظمة القضاء لدينا تعترف بهذه الرخص؟ شخصياً أستخدم رخصة حرة لموقعي لكنني غير واثق من أن نظام القانون لدينا يعترف بهذه الرخصة، فلا بد من تبني هذه الأدوات القانونية رسمياً من قبل حكوماتنا ولا بد من تشجيع الثقافة الحرة.

ساهم في تعزيز الثقافة الحرة

على كل شخص ومؤسسة أن يعمل على تعزيز الثقافة الحرة، سواء بكتابة المقالات والكتب أو بنشر صور فوتوغرافية أو بتصوير أفلام فيديو، يمكن لأي شخص أن يقدم شيئاً، فإن لم تكن تحسن الكتابة فيمكنك أن تبدع في التصوير، أود أن أرى صوراً من العالم العربي لم أرها من قبل، صوروا لنا أماكن لن نستطيع أن نراها على شاشات الفضائيات، أخبرونا عن قصص هذه الأماكن وعن أناسها وكيف يعيشون وعن ثقافتهم ووعيهم.

هناك محتويات هائلة موجودة لدينا لكنها ليست رقمية:

  • مواد صحفية، أغلب الصحف لديها أرشيف قديم يعود للسنوات الأولى من الصحيفة.
  • برامج إذاعة وتيلفيزيون، هناك برامج بثت قبل سنوات ولم يعاد بثها مرة أخرى، لماذا تخبأ في أرشيف ولا تعرض للجميع لكي يستفيد منها الناس؟
  • بحوث وكتب جامعية.
  • كتب يتيمة، وهي كتب قديمة قيمة لم يعد ناشرها موجوداً وفي الغالب مات كاتبها، هذه الكتب لم يعد أحد يحتفظ بحقوق نشرها مع ذلك القانون يعاملها على أساس أنها محفوظة الحقوق، فلم لا يكون لها استثناء خاص يجعلها حق عام لجميع الناس؟
  • الكتب القديمة، وأعني بها تلك التي نشرت قبل ما يزيد عن خمسين عاماً، كتب لأدباء وعلماء معروفين أصبحت حقاً عاماً للجميع لكن الكثير منها حسب القانون لا زال محفوظ الحقوق لدور نشر معينة، فلم لا تنشر لجميع الناس؟