الجمعة، 31 أغسطس 2007

سيارات الفقاعة

هل تذكرون سلسلة المواضيع قديمة ولا زالت مفيدة والتي تحدثت فيها عن الحواسيب القديمة؟ دعوني أعود للماضي لكن للحديث عن السيارات هذه المرة وفي موضوع واحد فقط.

عندما تحدثت عن الحواسيب القديمة قلت بأن هناك مميزات في هذه الحواسيب لا نجدها اليوم، كذلك الحال مع السيارات، هناك مميزات في السيارات القديمة لا نجدها اليوم.

قد يتأفف البعض ويتضايق ويهز رأسه حينما يسمع أحداً يتحدث عن السيارات، لأن الكثير من الناس يظنون أن السيارات تعني السرعة والقوة والطيش والتهور، وأن السيارات موضوع صغير أو ربما تافه يجب ألا يأخذ حيزاً من تفكير الناس، شخصياً لا أرى ذلك، السيارة بالنسبة لي شأنها شان الحاسوب، هي تقنية أو أداة تساعدنا على توفير الوقت والجهد، نعم قد يكون موضوع السيارات بالنسبة لك بديهي وبسيط ولا يستحق أن تتحدث عنه، لكن ضع نفسك مكان رجل في قرية إفريقية يريد أن يحصل على علاج لطفله المصاب بالملاريا وأقرب عيادة تقع على بعد 40 كيلومتراً، أي وسيلة نقل هنا ستنقذ حياة الطفل.

ضع نفسك مكان شاب من بنغلاديش انطلق منذ الصباح الباكر إلى مدينة قريبة تبعد 30 كيلومتراً وعاد في الليل متأخراً ومع ذلك لم يستطع إنجاز عمله وعليه أن يذهب في الغد لإنجاز العمل، السيارة هنا ستوفر عليه يوماً كاملاً إلا ساعة يقضيها في رحلة الذهاب والعودة.

تأثير السيارات على حياتنا أكبر مما نتصوره، فالسيارة مرتبطة بشكل وثيق بقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، فمن السيارة يمكن أن نتحدث عن البيئة والتلوث وعن ضياع الوقت في الازدحام وعن استهلاك الوقود لنعرج على موضوع النفط وتأثيره وارتفاع أسعاره فنتحدث عن شركات السيارات وسعيها لإنتاج سيارة لا تستهلك الكثير من الوقود.

هل نستطيع أن نعود للماضي الآن؟ لنذهب إذاً.

أوروبا خرجت من الحرب العالمية الثانية مثخنة بالجراح، إعادة إعمار القارة سيحتاج الكثير من الوقت والمال، والناس بحاجة إلى وسائل نقل لكن السيارات الكبيرة لم تعد خياراً للكثير منهم فهي غالية السعر وتستهلك الوقود بشراهة، الحل في سيارات صغيرة سموها (bubble cars) أو بترجمة حرفية سيارات الفقاعة!

لماذا سموها بهذا الاسم؟ لأن شكلها كالفقاعة، لكن الأمر يتجاوز هذا النوع من السيارات، هناك فئة تصنف بأنها سيارات صغيرة جداً أو Mcrocar، وهي في الغالب سيارة مخصصة لراكبين وفي بعض الأحيان أربعة ركاب أو أكثر، وتسير بثلاث إطارات أو أكثر وتعمل بمحرك صغير وسرعتها ليست بالعالية، لكن هناك الكثير من الاستثناءات، فبعض هذه السيارات يمكنها أن تصل إلى سرعات جنونية بسبب الوزن الخفيف.

ما الذي يميز هذه السيارات القديمة عن سيارات اليوم؟ استهلاك الوقود، كما هو الحال مع الحواسيب السيارات تزداد تعقيداً مع مرور الأعوام، والتعقيد يأتي من قوانين السلامة التي تجبر صناع السيارات على وضع معدات الأمان وتصميم سياراتهم بحيث تتحمل قدر معين من الصدمات، وهذا يعني وزن إضافي واستهلاك أعلى للوقود.

بالطبع هذه القوانين ليست السبب الوحيد في تعقيد السيارات، إذ أن التنافس الشرس بين الشركات جعلها تتجه إلى إنتاج سيارات متعددة الاستخدام وهي في الغالب سيارات كبيرة الحجم ويمكنها أن تعمل بالدفع الرباعي لكن أغلب الناس لا يشترونها لهذا السبب بل يفعلون ذلك لأنها سيارات واسعة وتعطي شعوراً بالأمان بسبب ارتفاعها.

الشركات تصنع هذه السيارات لأن هامش الربح مرتفع، لكنها سيارات ثقيلة وضخمة تستهلك الكثير من الوقود وليست آمنة بالقدر الذي يتصوره الناس وأغلب هذه السيارات لا يستخدم للذهاب إلى أماكن يصعب الوصول لها وبالتالي الدفع الرباعي غير مفيد ويضيف المزيد من الوزن والتعقيد.

أضف إلى ذلك أن مصنعي السيارات يتنافسون على إضافة المزيد من الخصائص والمميزات إلى السيارة، فمن جانب هم يتنافسون على استخدام مواد عالية الجودة كالخشب والألمنيوم والجلود، ويتنافسون على إضافة الإلكترونيات التي تتحكم بكل شيء وتخبر السائق عن الطريق والطقس وتجلب له البريد وتوجهه نحو أقصر الطرق وتنبهه إلى وجود عائق خلفه قد يصطدم به إذا رجع للخلف، بل وبعض السيارات اليوم تساعد السائق على كبح السيارة، وبعضها يستطيع أن يقود السيارة بدلاً من السائق فتتوقف عندما تجد أمامها عائق وتسير إذا لم تجد، وما على السائق سوى أن يمسك بمقود السيارة ليوجهها نحو اليمين واليسار، وبالتأكيد الشركات تسعى إلى تطوير سيارة تقود نفسها كلياً ... سنرى ذلك في المستقبل.

هذه الإلكترونيات وغيرها من التجهيزات تضيف الكثير من الوزن، والوزن يعني استهلاكاً أكبر للوقود، هناك مقاييس مختلفة لاستهلاك الوقود في السيارات، لكنني أرى أن أفضلها هو عدد الأميال - أو الكيلومترات - التي يمكن للسيارة أن تقطعها بجالون واحد من الوقود.

سيارات اليوم يمكنها أن تقطع 35 ميلاً بالجالون، بعضها يقطع 45 إلى 60 ميلاً وخصوصاً السيارات الصغيرة التي تأتي بمحركات صغيرة، السيارات الكبيرة والرياضية تقطع ما بين 5 إلى 15 ميلاً بالجالون! وبالطبع هذه الأرقام ليست دقيقة بل هي الصورة العامة.

قارن هذا مع السيارات الصغيرة في الماضي، إذ أن بعضها يقطع ما بين 85 إلى 100 ميل بالجالون الواحد، هذا في الخمسينات من القرن الماضي، حيث لم تكن التقنية متقدمة كما هي اليوم، فمحركات اليوم تراقب بالحواسيب وتبرمج لكي تستهلك وقوداً أقل، لماذا سيارات الماضي تستهلك وقوداً أقل؟ لأنها صممت من الأساس لكي تفعل ذلك ولكي تكون رخيصة عند شراءها رخيصة عند استعمالها.

لو عدنا إلى الماضي أكثر لوجدنا أن السيارة الكهربائية كانت هي الأكثر انتشاراً إلى أن شقت الطرق الواسعة الطويلة لتحتل السيارات التي تعمل بالوقود الساحة وتلغي السيارة الكهربائية.

تصوروا لو أن السيارات الكهربائية سيطرت على السوق وأصبحت هي الأساس منذ بداية القرن الماضي، ماذا سيحدث؟ يمكن أن أخمن بأن هواء المدن سيكون أكثر نقاء، والسيارات هادئة وبسيطة ولن تكلف الكثير.

إقرأ المزيد