الاثنين، 2 يونيو 2008

الثقة: أن تخرج وتعود!

هذه قصة كان علي أن أخبركم بها منذ وقت طويل، قصة عمل أنجزته خلال الشبكة لصالح شخص لا أعرفه، بدأت القصة في العام الماضي حينما راسلني شخص ما يسمى أندريس من الدانمارك وسألني إن كنت راغباً في ترجمة دروس حول تطوير المواقع من الإنجليزية إلى العربية، أراد أن يفتتح قسماً عربياً في موقعه وبحث عن مترجم ويبدو أنه وصل لموقعي وظن أنني أعرف شيئاً حول تطوير المواقع فراسلني.

الترجمة لن تكون مجانية كما قال أندريس بل مقابل مبلغ ما أو مقابل منتج ما أختاره بنفسي، قلت له أنني غير مهتم بالمال أو بالأجهزة، كل ما أريده مقابل ترجمة الدرس هو كتاب أو كتابين بحسب قدرته، وافق وأرسل لي الدرس.

كان درساً للمبتدئين حول HTML، بدأت الترجمة مباشرة أو قل بدأت المصارعة مع الدرس لأن الترجمة عملية صعبة جداً علي، كنت في بعض الأحيان أتوقف لساعات أمام جملة، أترك الحاسوب وأنجز أي عمل آخر، اعود لأبحلق في الشاشة وأبتعد وأبقى هكذا حتى أصل إلى ترجمة ترضيني.

كانت هناك جمل لا يمكن ترجمتها إلى العربية وفي بعض الأحيان علي أن أغير الكلمات فلا يعقل أن أترجم شيئاً لا يرضاه ديننا ولا عاداتنا، وكان علي أن أذكر نفسي بالأمانة في الترجمة، فلا يحق لي أن أغير شيئاً لمجرد أنه لا يعجبني، وقد حاولت الموازنة بين هذا الجانب وذاك، ومع ذلك لم أرض عن أي شيء أنجزته.

أخذت ترجمة الدرس وقتاً طويلاً جداً، لكنني أنهيتها وأرسلتها لأندريس، طلب مني ترجمة بعض الأمثلة والصور ففعلت، وضعها في موقعه لأقرأها وأصحح أي خطأ أجده، ثم أخبرته بأن المقالة أنجزت وكل الأخطاء التي انتبهت لها صححت.

نشرها في موقعه وراسلني ليطلب مني طريقة ليرسل لي الكتب مقابل عملي، أرسلت له عنوان قائمة الكتب التي أتمنى شراءها في أمازون، في اليوم التالي استيقظت على مفاجأة سعيدة جداً، أندريس أرسل لي 300 دولار! هذا مبلغ كبير جداً مقارنة مع ما طلبته، هذا مبلغ يكفيني لشراء ما بين 8 إلى 12 كتاباً وليس كتب أو كتابين فقط! كنت سعيداً بذلك وشكرته.

بعد مدة أرسل لي درس ثاني حول CSS، هذه المرة كانت الترجمة أسرع بكثير لأنني تعلمت من تجربتي الأولى ولأنني آمل أيضاً أن تتكرر المفاجأة، وقد تكررت على الرغم من تذكيري له بأن كل ما أريده هو كتاب أو كتابين.

هذه هي القصة بكل بساطة، فلماذا لم أكتب عنها من قبل؟ في البداية أول تواصل بيننا كان أثناء أزمة الرسوم المسيئة التي نشرتها صحيفة دانماركية، لم أرغب ولا زلت غير راغب في أن يراسلني أحد ليقول لي: كيف تتعامل مع الأعداء؟

أنا لا أصنف شعوب الغرب والشرق على أنهم أعداء، الحكومات تختلف عن الشعوب وكل شعب يحوي فئات مختلفة، بعضهم يتعاطف معنا وبعضهم يعادينا وبعضهم لا ينتمي إلى هذا الفريق أو ذاك.

ثم لم أكن راضياً عما فعلته ولا زلت، كان بإمكاني أن أقدم المزيد، مع ذلك طلبت من أندريس ألا يكتب اسمي ولم أتحدث عن الموقع أبداً، إلى أن راسلني شخص ما وأخبرني عن موقع رائع يقدم دروس HTML وCSS، أخبرته بأنني المترجم فطلب مني أن أتحدث عنه وقد فعلت في موضوع سابق، من الأنانية ألا أتحدث عن الموقع لأنني غير راض عن عملي، قد يستفيد أي شخص منه.

مرت الأيام وبدأت أقرأ كلمات طيبة في بعض المنتديات حول الدروس والترجمة وهذه أسعدتني لأنها أتت من أشخاص لا يعرفون المترجم.

تبقى هناك نقطة مهمة يجب أن أتحدث عنها، أندريس لا يعرفني وأنا لا أعرفه، والمراسلة بيننا دارت فقط حول هذه الدروس، طلبت منه مقابل المقالة كتاب أو اثنين فأرسل لي مبلغاً يكفي لعشرة، هو سعيد بما أنجزته وأنا سعيد بكتبي.

أليس هذا غريباً؟ في الماضي القريب كانت الأعمال تنجز على أساس الثقة، على أساس الكلمة، لم تكن هناك أوراق توقع، أو قوانين تضمن حق البائع والمشتري، لكن الناس كانوا يسيرون حياتهم بالكلمة، فالرجل يتحمل تبعات ما يقوله، إن وعد لم يخلف ولم يتأخر.

هذه الثقة أجدها شيئاً عجيباً عند تعاملي مع أي شخص، نحن في عالم يحوي آلاف القوانين والأنظمة التي تحاول أن تضمن حق البائع والمشتري، لكنها كلها لا يمكن أبداً أن تحل محل الكلمة، كان بإمكان أندريس أن يأخذ جهدي ولا يعطيني مقابله أي شيء، لو فعل لما تمكنت من أخذ حقي بأي طريقة، لكنني التزمت بوعدي والتزم هو بوعده بل وزاد عليه ما لم أطلبه.

المسلمون أحق بهذه الأخلاق، لكن من المؤسف فعلاً أن أسمع أو أقرأ عن قصص كثيرة دارت بين الناس غش فيها أحدهم الآخر، هذا دفع مبلغاً لإنشاء موقع أو تعديله والمطور لم ينجز العمل في الوقت المحدد أو بالمواصفات المحددة، وفي بعض الحالات المطور لم ينجز أي شيء بل أخذ المال وخرج ولم يعد.

عندما نحترم الكلمة سنعود لتل الربيع.