هذا الكتاب من إصدارات المجمع الثقافي في أبوظبي، ومؤلفه هو [باري لوبيز](http://www.barrylopez.com/)، الكتاب يصعب تصنيفه بدقة، فهو يجمع بين الأدب والعلم والتاريخ والسياسة، وتعجبني قراءة الكتب التي تتحدث عن عادات الشعوب وعلاقتها بالأرض والتي تتحدث عن الجغرافيا.
ما أعجبني في الكتاب هو حديثه عن سكان القطب الشمالي، وهم الأسكيمو، كانت لدي أفكار عن هؤلاء الناس من قبل، فقد كنت أظن أن لهم علاقة وثيقة بالهنود الحمر في أمريكا وكذلك بالآسيوين وخصوصاً سكان شرق آسيا، وقد تحدث الكاتب عن هجرة الآسيوين ووصولهم إلى هذه المناطق عبر مضيق بيرنج الذي يربط آسيا بأمريكا.
الأسكيمو قوم يعيشون في صحراء، لكنها صحراء باردة شديدة البرد وقاسية، إلا أنها أكثر غناً وتنوعاً من الصحاري الحارة، ففي القطب الشمالي تعيش أنواع كثيرة من الحيوانات، والماء العذب متوفر بشكل كبير، وهناك تنوع في النباتات التي تحيط بدائرة القطب الشمالي.، في القطب الشمالي يصبح الوقت أمراً مختلفاً وكذلك المساحات والاتجاهات، هناك نهار طويل جداً في الصيف وليل طويل في الشتاء، لذلك يعاني سكان الشمال من الاكتئاب في فصول الشتاء الطويلة، وهذا أمر لا يقتصر على الأسكيمو بل حتى سكان الدول الاسكندنافية وشمال كندا وروسيا يعانون من هذه الظاهرة، وقد رأيت برنامجاً في إحدى الفضائيات يتحدث عن هذا الليل الطويل وكيف يتعامل الناس معه، تصوروا أنهم يخرجون في الصباح إلى العمل ثم يأتي وقت استراحة الغداء ثم ينتهي وقت العمل وكل هذا يحدث في النهار المظلم! أعني أن الشمس لا تظهر لهم، وبعضهم يهرب إلى المشروبات الكحولية لكي يقضي على الكآبة والبعض يذهب إلى أماكن مضاءة بكشافات قوية تعوضهم عن بعض حاجتهم إلى ضوء الشمس.
لنحمد الله كثيراً على نعمة اعتدال الليل والنهار لدينا، صحيح أن بلادنا حارة لكن لا أستطيع تخيل العيش في مكان واحد ولا أرى فيه الشمس إلا دقائق قليلة أو لا أراها بالمرة.
تحدث الكاتب عن رحلات الاستكشافات التي انطلقت من أوروبا وشملت العالم بما في ذلك القطب الشمالي والمناطق الباردة المحيطة به، أكثر هذه الرحلات كانت لأغراض استعمارية كما أراها والتي سماها المؤلف أهدافاً تجارية، قام المستكشفون في القرن الثامن عشر والتاسع عشر بقتل آلاف الحيتان والثعالب والدببة والأوز والذئاب، كل ذلك من أجل المال، كذلك تصادموا مع الأسكيمو وكانوا ينظرون للأسكيمو على أنهم قوم منحطون متخلفون، وكان هناك قلة نادرة من المسكشفين خرجوا لأغراض البحث العلمي واكتشاف المجهول وتعاملوا مع الأسكيمو باحترام.
وهؤلاء الذين تعاملوا مع الأسكيمو باحترام وجدوا أن الأسكيمو شعب له خبرة كبيرة في الصيد والترحال واستفادوا من خبراتهم في هذا المجال، كما تعلموا منهم كيف يستغلون الموارد الطبيعية المتوفرة في القطب الشمالي، وللأسف فإن الكثير من العلماء في الوقت الحاضر لا يعتمد على خبرات الأسكيمو مع أنهم أكثر معرفة ودراية بما يدور حولهم من العلماء القادمين من الجنوب.
كتاب ممتع مفيد، جعلني أتمنى أن أذهب في رحلة إلى تلك الأماكن التي تحدث عنها الكاتب.