مهما كتبنا وتناقشنا في مواقعنا، ستبقى الدورات واللقاءات على أرض الواقع أكثر فعالية في إيصال المعلومة وتعليم الناس وإقناعهم، هذا موضوع أتحدث فيه عن بعض النقاط المهمة حول الإعداد للدورات التدريبية، سواء في مجال الحاسوب أو أي مجال آخر.
قبل بضعة سنوات كتبت عدة مقالات في جريدة الاتحاد وبعض المواقع أدعو فيها إلى أن تعلم المدارس مهارات الاتصال الأربع للطلبة بدلاً من تضييع سنوات من عمرهم في حشو المعلومات، هذه المهارات هي القراءة والكتابة والاستماع والتحدث، لعل بعضكم سيقول: أغلب الطلبة يتقنون هذه المهارات، وأرى أن قلة نادرة منهم تتقن كل هذه المهارات، كم طالب لديه استعداد لأن يقف أمام الجمهور ليعبر عن رأيه دون استعداد مسبق؟ كم طالب لدينا يحب القراءة ويقرأ في كتب غير كتب المدرسة؟ في آخر كل عام دراسي يقطع الطلاب كتبهم ويحرقونها ويلعبون بها، ليس كلهم، لكن الكثير منهم يفعل ذلك، كم طالب لدينا يتقن الاستماع ويعرف كيف يتحاور مع الآخرين ويتقبل آراءهم حتى لو لم يوافق عليها؟ أما الكتابة فأغلبهم لم يكتب شيئاً خارج حصص التعبير التي لم تفدني بشيء.
لا زلت أرى أن على مدارسنا تعليم الطلاب هذه المهارات وغيرها، لا أرى مشكلة إن لم يعرف الطالب كيف يحل المعادلات الحسابية أو يحسب مساحة الأسطوانة، لكنها مشكلة كبيرة أن يدرس الطالب أكثر من 12 عاماً ثم لا يستطيع بعد ذلك أن يتواصل مع الآخرين بفعالية.
على أي حال، موضوعنا هنا هو الخطابة، أو تقديم الدورات، ما الذي يجب أن تفعله لكي تقدم دورة أو درساً بشكل جيد؟
### الإعداد الجيد
إن كنت ستقدم درساً لمدة ساعة أو ساعتين، فعليك أن تخصص له أسبوعاً كاملاً للإعداد وجمع المحتويات وترتيبها، وكلما زادت مدة الدورة وجب عليك أن تخصص وقتاً أكبر للإعداد، شخصياً لم يسبق لي أن قمت بتجهيز درس أو دورة في مدة تقل عن أسبوع.
عليك في البداية أن تحدد الدرس الذي ستقدمه إن كانت هذه المسؤولية ملقاة عليك، ولعل مؤسسة ما تطلب منك موضوع الدرس، بعد ذلك عليك أن تضع أهدافاً للدرس، ولتكن ثلاثة أهداف أو أقل، هذه الأهداف ضرورية لكي تركز على على إعداد درسك بشكل صحيح، لنتصور أنك ستقدم درساً حول نظام لينكس مثلاً، هل الجمهور الذي ستلقي عليه الدورة يعرف ما هو لينكس؟ في الغالب لا، إذاً ليكن هدفك الأول: تعريف الجمهور بنظام لينكس، هذا يعني أنك ستقضي وقتاً في أول الدرس لتشرح تاريخ لينكس، وكيف أنه مجرد نواة وما هي التوزيعات وواقع لينكس اليوم، ماذا لو كان الجمهور أمامك يعرف لينكس؟ بالتأكيد لن يكون من المفيد تعليمهم ما يعرفونه أصلاً، لذلك حدد هدفاً آخر.
مع الأن الأمر بسيط وبديهي، الكثير من الناس يقعون في هذا الخطأ، أعني عدم تحديد الأهداف أو الأولويات، عندما تقف أمام أي جمهور، فأنت تحصل على فرصة عظيمة من أجل إقناعهم أو تعليمهم، وتذكر أنك إذا وقفت أمام مئة شخص، وألقيت عليهم درساً غير مفيد فأنت هنا أضعت مئة ساعة كان يمكن أن تستغل بشكل أفضل، فلا تستهن أبداً بتحديد الأهداف.
النقطة الثانية هي أن تكتب خطة الدرس، لا داعي في البداية أن تكون الخطة مفصلة ودقيقة، يكفي أن تكتب نقاط سريعة عن الموضوعات التي ستتحدث عنها، بعد ذلك إبدأ في جمع المراجع التي ستعتمد عليها، والمراجع قد تكون كتباً، مجلات، صحف، مواقع، صور، صوتيات، المهم أن تجمع ما يكفيك من المراجع واحذر هنا أن تبالغ في جمع المراجع لأنها ستستهلك وقتك، فأنت بحاجة إلى قراءة هذه المراجع ثم تلخيص ما سيفيدك منها، ومع استمرار هذه العملية ستلاحظ أن بعض المراجع بدأت تكرر نفس الكلام الذي قرأته في مراجع سابقة، فلا تضيع وقتك.
بعد قراءة المراجع يمكنك الآن أن تكتب خطة الدرس المفصلة، وأعني بذلك النقاط الرئيسية للدرس والنقاط المتفرعة منها، ورتبها بشكل منطقي، فلا يصح مثلاً أن تتحدث عن إيجابيات وسلبيات لينكس والجمهور لم يعرف بعد ما هو لينكس.
هنا عليك أن تحدد ما إذا كنت ستقدم مادة مكتوبة أم ستعرض على الجمهور نقاط الدرس على شاشة كبيرة، أم ستسعين ببطاقات صغيرة تكتب عليها الدرس، شخصياً أغلب الدورات والدروس التي قدمتها كنت أستعين بشاشة كبيرة أعرض عليها نقاط الدرس، فلا أحتاج إلى أن أحمل معي ورقة أو بطاقة تذكرني بنقاط الدرس.
بخصوص المادة المكتوبة، حاول بقدر الإمكان ألا تعطي الجمهور أي مادة مكتوبة، الكثير منهم ليس لديه وقت لقراءتها والبعض لن يتعب نفسه ويجاملك، سيرمي الأوراق على كرسيه أو في أي مكان ويرحل، أعطي المادة المكتوبة إن وجدت لمن يطلبها فقط، أو ضعها في موقع ما على الشبكة ودل الجمهور عليها، في بعض الحالات يجب أن تعطي المتدربين هذه المواد خصوصاً في الدورات التي تحوي تفاصيل كثيرة، في هذه الحالة نبه المتدربين إلى ضرورة المحافظة على الأوراق.
إذا قمت بإعداد خطة الدرس وجمعت معظم محتوياته، فعليك أن تبدأ في التدريب على الإلقاء، إجمع أقلاماً على طاولة ما وألقي عليها الدرس! أو تحدث مع مجموعة من الكراسي! إفعل ما تشاء، تخيل أن الجمهور أمامك وألقي الدرس عليهم، درب نفسك على اختيار الكلمات الصحيحة واختصر كلامك، وحاول في هذه التدريبات أن تقدر الوقت الذي ستحتاجه لإلقاء الدرس كاملاً، ضع ساعة أمامك واحسب الوقت، بالطبع عليك أن تلتزم بالوقت المحدد المخصص للدورة، فإن رأيت أن المادة ستأخذ وقتاً أطول من الوقت المخصص لك اختصرها.
عندما تبدأ في التدريب على الإلقاء ستلاحظ ثغرات في مادتك، عالج هذه الثغرات وأعد التدريب، واستمر على هذا الحال حتى تكمل المادة، وقبل الدورة بيوم أو يومين تدرب مرة أخرى على الإلقاء وتأكد أنك جاهز تماماً للدرس.
وفي اليوم الذي ستلقي فيه الدرس تأكد للمرة الأخيرة أن كل شيء تم إعداده، ولا داعي لأن تتدرب، فقط انظر في المادة وتأكد منها، تأكد من أدواتك وأوراقك، وحاول بقدر الإمكان ألا تثقل على نفسك، من الأفضل دائماً أن تذهب إلى مكان إلقاء الدورة قبل الدورة بساعتين أو حتى بيوم وتجهز المكان وتضع كل الأدوات هناك، وربما تتدرب على الإلقاء أيضاً.
### عند إلقاء الدرس
سيأتي الجمهور ويجلس أمامك على الكراسي، قد تتوتر هنا وهذا أمر طبيعي، لا تحاول أن تجبر نفسك على أن تكون هادئاً، من الطبيعي أن يخشى أي شخص من الوقوف أمام الجمهور، خصوصاً إن كانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها أمام جمهور، لا تكثر من شرب الشاي والقهوة في الليلة التي تسبق الدورة، يجب أن ترتاح، ولا تأتي إلى الدورة وبطنك فارغ ولا تأكل الكثير أيضاً، كل فقط ما يبعد عنك الشعور بالجوع، ولا بأس في أن تشرب الشاي قبل الدورة مباشرة، هذا سيفيد صوتك.
إذا وقفت أمام الجمهور لا تبدأ مباشرة في الكلام، أنظر إلى الناس الجالسين في آخر القاعة لمدة ثوان قصيرة، هذه الثوان ستكون بالنسبة لك دهراً كاملاً، لكن بالنسبة للجمهور هي مجرد ثوان قصيرة، إبدأ باسم الله الرحمين الرحيم والصلاة على رسول الله، وكن هادئاً هنا حتى لو كانت نفسك ستقفز من التوتر، إبدأ الدورة أو الدرس ببطئ وانطق كل كلمة بشكل صحيح، ليكن صوتك واضحاً للجميع، وغالباً سيذهب خوفك خلال الدقيقة الأولى.
لا تجبر نفسك على الكلام بشكل مستمر، بمعنى آخر، هناك أشخاص يقفون أمام الجمهور ويتحدثون، فإذا ما وصلوا إلى نهاية جملة ما ولم يعرفوا ماذا يقولون بعد ذلك يبدأون في إكمال الفراغ بقولهم: آه أو أم أو وا ... ويطيلونها، وهذا أمر مزعج للجمهور، إن لم تعرف ماذا عليك أن تقول في الجملة التالي أصمت فقط، هذا أكثر تأثيراً على الجمهور، وعليك أن تتدرب على السكوت بعد أو قبل أن تقول جملاً مهمة وضرورية، وربما عليك أن تكرر الجملة المهمة مرتين أو أكثر.
تذكر أنك قمت بإعداد الدورة وأنك تعرف تماماً ماذا ستقول وبأي ترتيب، كل ما عليك الآن أن تتحدث عن النقاط التي وضعتها في خطة درسك وبالترتيب وبكل ثقة وهدوء، لا داعي للاستعجال ولا تكن بطيئاً أيضاً.
لا يهم إن كان في الجمهور أناس أكبر منك أو أصغر أو حتى في نفس عمرك، المهم فعلاً أن تقدم ما يفيدهم وتحترم عقولهم ولا تضيع أوقاتهم، عامل الجميع بنفس الأسلوب، إذا تحدث لك أحدهم استمع له، وإن سألك أجبه مباشرة ولا تعتقد أنه يريد إحراجك، وإن لم تعرف الإجابة فقل: لا أعرف، كتب الإدارة والخطابة تنصح هنا باللف والدوران بدلاً من الإجابة الصريحة بأنك لا تعرف، شخصياً أرى أن هذا نوع من النفاق الذي أبغضه، الصراحة لن تؤذيك، قل لا أعرف وأرح نفسك.
قد يقاطعك شخص أثناء كلامك، أطلب منه بكل أدب أن يؤجل سؤاله أو تعليقه حتى تنتهي من كلامك، فإذا أنهيت جملتك أو النقطة التي تتحدث عنها أطلب منه أن يعيد كلامه، في حالة الدروس والدورات الطويلة، قد ترى شخص غير منتبه فحاول أن تثير انتباهه بأن تذكر اسمه، فقل مثلاً: أليس كذلك يا فلان؟ أو ما رأيك يا فلان؟ وقد ترى شخصان يتحدثان مع بعضهما البعض، فنبهم بنفس الأسلوب، لا تطلب منهم مباشرة أن يتوقفوا عن الكلام، فإن لم ينفع هذا الأسلوب قل لهم: لماذا لا تشاركوننا بحديثكم؟ هذا السؤال في الغالب كفيل بأن يوقفهم عن الحديث ويجعلهم ينتبهون مرة أخرى للدرس.
ماذا عن الفكاهة في الدورات؟ لا تبدأ الدرس بنكتة إلا إذا كنت تعلم تماماً أنك إنسان مضحك تتقن رسم البسمة على وجوه الآخرين، شخصياً لا أملك هذه المهارة لذلك أحاول دائماً أن تكون مقدمة الدرس قصيرة مركزة وجادة، أما أثناء الدرس فمن المفيد أن تضحك الجمهور إن لاحظت أنه لم يعد ينتبه بشكل جيد، وليكن مزاحك غير جارح فلا تمزح مع أحد من الجمهور أو تتحدث عن شخص ما، بل ليكن مزاحك خفيفاً غير متكلف.
أما جسمك فعليك ألا تتحرك كثيراً، لتكن حركات يدك بسيطة هادئة، إن أمكن قم بالمشي أمام الجمهور، في الدورات التدريبية اقترب من الجمهور بين فترة وأخرى، في بداية الدورة قد تكون متوتراً بشكل كبير، ربما ستشعر بأن يدك تهتز قليلاً، لا تهتم بهذا فأغلب الجمهور لن يلاحظ ذلك، لا تضع يديك في جيبك، يمكنك أن تضع يداً واحدة في جيبك والأخرى تحركها، هذه الحركة أقوم بها في بعض الأحيان للضغط على عملة معدنية في جيبي، وسيلة لطرد التوتر
### بعد الإلقاء
قد يخصص وقت للأسئلة بعد الدورة أو المحاضرة، أنظر في وجه السائل ودعه يكمل سؤاله، إن لم تفهم سؤاله أطلب منه أن يشرحه مرة أخرى، في بعض الأحيان قد يكون صوت السائل منخفضاً فأعد سؤاله على الجمهور حتى يسمعه الجميع ثم أجب، لتكن إجابتك مختصرة مباشرة.
بعد انتهاء الدورة ستكون لديك فرصة جيدة للالتقاء بالمتدربين أو الحاضرين، إسألهم عن رأيهم في الدورة وعن أسلوبك في الإلقاء، سيجاملونك في الغالب فأكد عليهم أنك تريد سماع الانتقاد واسمع فقط ولا ترد عليهم، لو أخبرك أحدهم بأن لديك نقطة ضعف فاشكره ودون النقطة لديك ولا تدافع عن نفسك، أنت تسألهم حتى تطور أسلوبك في الخطابة.
من الأفضل أن تسجل الدورة أو المحاضرة في شريط أو بالفيديو، استمع لنفسك وشاهد نفسك وتعرف على أخطاءك وصححها في الدورات والدروس القادمة.
### خاتمة
ما ذكرته في هذا الموضوع هو ملاحظات عامة، ولا زال هناك الكثير يمكن الكتابة عنه حول الخطابة والتدريب، في كل الأحوال، أهم وسيلة للتدريب على هذه المهارة هي أن تلقي دروساً ودورات بشكل مستمر، ستقع في الكثير من الأخطاء وستكون هذه الأخطاء خير معلم، وإليكم هذه الروابط حول الموضوع:
* [البساطة في إلقاء الخطب](http://saaid.net/aldawah/259.htm)
* [فن تحضير المواضيع](http://saaid.net/aldawah/198.htm)
* [خمسة خطوات لإتقان الإلقاء](http://saaid.net/aldawah/104.htm)
* [خمسون وصية ووصية لتكون خطيباً ناجحاً](http://saaid.net/aldawah/236.htm)
* [كيف تعد وتلقي خطبة متميزة](http://www.alnoor-world.com/learn/topicbody.asp?TopicID=164&SectionID=37)