– أمين! ... هل علي أن أكتب هذه العبارة في موقعي؟
– أي عبارة؟
– "جميع الحقوق محفوظة"؟
– نعم بالتأكيد! كما تعلمت في معهد الأمانة، هذه العبارة هي أهم عناصر التصميم.
– ماذا تعني هذه العبارة؟
– لا أذكر ... هي تتعلق بحفظ ... لا أدري!
– ما فائدة المال الذي أنفقته على الدورة؟
– لحظة! دعني أتذكر ... لعلها تعني أن الحقوق محفوظة في مكان أمين، خزانة أو حتى ثلاجة!
– لعل إعلانات المطاعم أثرت في عقلك! أكمل.
– أو ربما تعني أن الحقوق محفوظة في عقل شخص ما ويستطيع ترديدها علينا متى ما أردنا!
– هممم ... ربما! هل لديك أقوال أخرى؟
– ربما تعني أن الحقوق محفوظة لكل شخص فيستطيع أن يستغلها كما يريد.
– لا ... هذا تفسير غير معقول، وإلا لسرق الناس كل شيء من موقعي.
– موقعك في الأصل منسوخ من مواقع أخرى! ... لا تنظر إلي هكذا، أنت طلبت أن يكون موقعك كباقي مواقع الناس!
### ماذا تعني الحقوق؟
مرة أخرى أذكركم: ليس لدي علم كافي للحديث عن القانون، ما أعرفه أن القوانين تحوي عبارات دقيقة، وكل كلمة لها معنى خاص في القانون، وهناك مواد تشرح القوانين وتشرح ماذا يعني هذا المصطلح أو ذاك وكيف تحدد المقاييس، هذه أمور يعرفها دارسوا القانون والمتخصصون فيه.
أما في الواقع، أغلب الناس لا يهتمون بالقوانين، خصوصاً قوانين النشر وحماية الملكية الفكرية، قد يهتم المرء بمعرفة القانون حينما يتعلق الأمر بالزواج والطلاق والحقوق المالية وحتى السيارات، لكن حينما يتعلق الأمر ببرنامج أو كتاب أو أنشودة فإنه لا يهتم بهذه الحقوق، ما دام أنه يستطيع الحصول على هذه المواد مجاناً فلم يكلف نفسه بشراءها؟ ولماذا يشتري نسخة أصلية من برنامج ما وهناك نسخ غير شرعية تباع بعشر دراهم؟
في مقابل قوانين النشر، هناك رخص حرة للبرامج والمواد الفكرية، أغلب هذه الرخص خرجت للعالم من أمريكا، لأن أمريكا الآن قارة كبيرة فيها ملايين الناس وتهاجر لها العقول النيرة المفكرة، الكثير من هؤلاء يعملون في مجالات إبداعية وفكرية، كالكتابة والتأليف، البرمجة، التصوير الفوتوغرافي، الفنون بأنواعها وغيرها، وكل عمل ينتجه شخص ما يصبح محفوظ الحقوق لهذا الشخص حسب القانون الأمريكي، سواء أشار الكاتب أو المبدع إلى الحقوق أو لم يشر لها، على الآخرين احترام حقوقه واعتبارها حقوقاً محفوظة له.
مع مرور السنين وتطور التقنيات بدأ الكونجرس الأمريكي وأصحاب النفوذ في الشركات الإعلامية وشركات البرمجة والحاسوب في دفع قوانين جديدة أكثر صرامة للحقوق النشر والملكية الفكرية، لا بل دخلت إلى هذا المجال شركات الأدوية التي أعتبرها شخصياً شركات _مجرمة_ حينما ترفض ترخيص ملكيتها الفكرية للدول الفقيرة لإنتاج أدوية رخيصة السعر لأمراض تفتك بشعوب هذه الدول، وفي نفس الوقت لا تبيع أدويتها بسعر منخفض وهكذا يبقى الناس يعانون من عدم توفر الدواء، هذه قضايا ليست بالهينة وستصل إلينا عاجلاً أو آجلاً مع توقيع أو تنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة.
لماذا ظهرت رخص البرامج والمحتويات الحرة؟ لأنها كانت ردة فعل على القوانين الصارمة لحماية الحقوق، كانت البرامج في السابق تعرض مجاناً لمن أراد ويمكن لأي شخص الحصول على مصدر هذه البرامج لكي يطورها بنفسه، كانت الكتب والصور وكل أشكال الإبداعات الفكرية تصبح مجانية بعد مرور فترة من الزمن على إنشاءها، الآن بسبب القوانين لن تصبح هذه الإبداعات مجانية إلا بعد مرور عشرات السنين، بعض القوانين تشترط أن تكون الحقوق محفوظة للمؤلف ما دام حياً بالإضافة إلى سبعين سنة أخرى! طبعاً هذا كله يحدث في أمريكا.
لعل البعض منكم يسأل: لماذا تتحدث عن أمريكا بالذات؟ لأنها التي تتحكم بمنظمة التجارة الحرة والأمم المتحدة والبنك الدولي، ولأن الكثير من القوانين الأمريكية تصل إلينا لتطبق في مجتمعاتنا التي تختلف تماماً عن المجتمع الأمريكي، ولأننا يمكننا أن نستفيد من تجارب المجتمع الأمريكي في هذا المجال.
دعونا الآن نستعرض بعض رخص المحتويات الحرة.
### Public Domain
هذه رخصة قانونية تعطي الناس كل الحقوق، بمعنى آخر إذا كتب شخص ما كتاباً واختار له رخصة Public Domain فهذا يعني أن الكاتب تنازل عن كل حقوقه، فيمكن لأي شخص أن ينسخ الكتاب ويوزعه ويبيعه وينشره إلكترونياً ويغرق العالم بنسخ من هذا الكتاب.
وهناك الكثير من الكتب والأعمال الفنية مرخصة بهذه الرخصة، فالأعمال القديمة مثلاً تعتبر حقاً عاماً للجميع، فلا يمكن لشخص أن يدعي أنه يملك حقوق كتاب "صحيح البخاري" أو "البيان والتبيين" أو "تاج العروس" أو مسرحيات شكسبير، وحتى الاختراعات والاكتشافات العلمية أصبحت الآن جزء من ثقافة وتراث العالم ولا يمكن لأي شخص أن يدعي ملكيتها.
هناك بعض المعلومات التي لا يمكن لشخص أن يدعي ملكيتها، مثل الإحصائيات، كذلك بعض ما تنتجه الحكومات من وثائق وتقارير تعتبر حقاً عاماً للجميع.
عندما ظهرت قوانين الحماية الفكرية، أصبحت كل الأعمال محفوظة الحقوق، لكن الكثير من الناس والمؤسسات قاموا بعرض أعمالهم كحق عام للجميع، وبعض الأعمال التي كانت محفوظة الحقوق طرحت كحق عام بعد أن كانت محفوظة الحقوق لعدد من السنين يحددها قانون الحماية الفكرية.
إذا وجدت أي عمل مطروح كحق عام، يمكنك أن تستغله كما تريد، وإذا كان لديك كتاب أو صور أو أي عمل فكري فيمكنك أن تطرحه كحق عام للجميع إن أردت أن يستفيد الناس من جهودك، هذه الرخصة يمكن أن تستخدم للكتب والصور والأعمال الأدبية والفنية وكذلك البرامج والاختراعات والاكتشافات.
* إقرأ عن هذه الرخصة في [ويكيبيديا](http://en.wikipedia.org/wiki/Public_domain).
* [مشورع المكتبة الحرة](http://www.openlibrary.org/)، إقرأ العديد من الكتب مجاناً وانسخها ووزعها كما تشاء، المشروع يوفر واجهة سهلة لتصفح وقراءة الكتب، ويهدف إلى وضع أكبر عدد ممكن من الكتب المطروحة كحق عام على الشبكة.
* [مشروع جوتنبيرج](http://www.gutenberg.org/)، يوفر العديد من الكتب كحق عام للجميع، ويحوي أيضاً كتباً محفوظة الحقوق لكنها تنشر بإذن من الكاتب أو دار النشر.
* [الوراق](http://www.alwaraq.com/)، يوفر العديد من الكتب العربية.
* [الحديث الشريف](http://hadith.al-islam.com/) من موقع الإسلام، يوفر العديد من الكتب المتخصصة في الحديث الشريف.
### Creative Commons
Creative Commons هي منظمة أمريكية لا ربحية أنشأت في عام 2001م في سان فرانسيسكو، تهدف المنظمة إلى تبسيط عملية توزيع ونشر الأعمال الفكرية مع حفظ بعض حقوق أصحابها، وتوفر المنظمة عبر [موقعها](http://www.creativecommons.com/) أدوات للباحثين عن محتويات مرخصة برخص هذه المنظمة وأدوات لمن يريد نشر محتويات تستخدم رخص المنظمة.
رخص هذه المنظمة تتوفر بثلاثة أشكال:
* النص القانوني: وهو نص مفصل موجه للمحامين والمتخصصين في القانون وسيستخدم في المحاكم وساحات القضاء إن كانت هناك قضية تتعلق بمواد نشرت باستخدام رخصة Creative Commons.
* نسخة عامة: وهي التي كتبت بلغة مختصرة سهلة وهي موجهة لجميع الناس.
* نسخة الحاسوب: وهي مكتوبة بلغة تفهمها البرامج ويستطيع المبرمجون تضمينها في برامجهم.
كل رخص CC تحتوي بعض الشروط للمشاركة بالمحتويات، وهي كالتالي:
* المصدر (Attribution): إن اشترطت النسخة أن تذكر المصدر فيمكنك أن تستخدم المحتويات كما تشاء ما دمت قد ذكرت بوضوح كاتبها أو من قام بإنشاءها.
* غير مخصص للإستخدام التجاري (Noncommercial): هذا الشرط يعني أن المحتويات يمكن أن تستغل وتستخدم بشرط ألا تباع وتستغل تجارياً، لنفترض أن الأخ أسامة رخص صوره التي يضعها في خدمة فليكر برخصة CC بشرط ألا تستغل تجارياً، هذا يعني أنني أستطيع طباعة صوره واستخدامها في المواقع أو في أي غرض لكن لا يحق لي بيع صوره.
* الاشتقاق (No Derivative Works): هذا الشرط يعني أنك تستطيع نسخ وتوزيع المحتويات لكن لا يمكنك استخدمها لإنشاء عمل جديد، لنتصور أن أخونا عبد المنعم قام بتصوير فيلم فيديو عن المغرب وتاريخه، واشترط ألا تشتق أعمال جديدة من عمله، لا يمكن لأي شخص آخر أن يستخدم عمل أخونا عبد المنعم لإنشاء فيلم جديد.
* المشاركة بالمثل (Share Alike): هذا الشرط يعني أنك تستطيع استخدام المواد والمحتويات وتوزيعها، بشرط إن قمت بتعديلها فعليك أن تشارك الآخرين بهذه التعديلات.
كما قلت هناك [أدوات](http://creativecommons.org/license/) تبسط عملية اختيار الرخصة المناسبة، كل ما عليك فعله هو الإجابة عن أربعة أسئلة فقط، ثم تضع رابط الرخصة في موقعك أو في المادة التي تريد ترخيصها.
* موقع [Creative Commons](http://www.creativecommons.org/).
* [صور في فليكر مرخصة برخصة CC](http://www.flickr.com/creativecommons/).
* محاضرة [الثقافة الحرة](http://www.eff.org/IP/freeculture/)، يمكنك الاستماع لها ومشاهدة عرضها وكذلك قراءتها، وهي تستحق الترجمة بالمناسبة، وأنصح الجميع بالاستماع لها.
* كتاب [الثقافة الحرة](http://free-culture.org/).
* [دليل للمحتويات المرخصة برخصة CC](http://www.commoncontent.org/).
### ماذا بعد؟
هناك رخص حرة مختلفة، لكن ذكرت أهم رخصتين منهما وهي Public Domain وCreative Commons، فهما الأشهر والأكثر استخداماً، هناك رخص أقل شهرة أو أصبحت لا تستخدم بعد ظهور مشروع CC منها رخصة OPL أو Open Content License، وهناك رخصة من مشروع جنو هي FDL لكن هذه موجهة بشكل خاص لكتابة الوثائق المتعلقة بالبرامج لذلك سأتحدث عنها في موضوع لاحق.
ماذا عن الوضع القانوني لدينا؟ هل قوانين بلداننا تعترف بهذه الرخص؟ هل توجد محتويات ومواد نشرت بهذه الرخص بينما لا زالت محفوظة الحقوق في بلداننا؟ ليس لدي إجابات على هذه الأسئلة.
كما ترون، الموضوع حقيقة ليس بسيطاً ووجدت صعوبة في كتابته، أتمنى أن أكون قد قدمت شيئاً مفيداً في هذه الكلمات، أما رخص البرامج الحرة سأتحدث عنها في موضوع لاحق.