الأحد، 3 أكتوبر 2004

ملاحظات لمشروع الخوارزمي: الإدارة

أتابع برنامج صناع الحياة الذي تبثه قناة إقرأ ويقدمه الداعية عمرو خالد وفي بعض الأحيان أشارك في بعض المشاريع التي يطرحها البرنامج، وحقيقة البرنامج يبث الأمل والحماس في روحي، لأنه يثبت أننا نستطيع أن نؤثر ونغير ونتطور ونخرج من جو اليأس والإحباط الذي يحيط بنا.

طرح المشاركون في البرنامج الكثير من المشاريع، ومنها مشروع نظام التشغيل الخوارزمي، حقيقة أمر جميل أن يفكر الشباب في إنشاء نظام تشغيل عربي، نحن بحاجة إلى أنظمة تشغيل عربية وليس فقط نظام واحد، على أي حال نشر موقع الداعية عمرو خالد صفحة تشرح تفاصيل المشروع وأهدافه، ولدي الكثير من التعليقات على المشروع، وهدفي هو تنبيه القائمين على المشروع للكثير من المواضيع المهمة.

برمجة نظام تشغيل ليس بالأمر السهل، بالتأكيد القائمين على المشروع يدركون ذلك جيداً، لإنشاء نظام تشغيل مثل ويندوز يجب على المبرمج أو المبرمجين إنشاء أجزاء كثيرة وربطها مع بعضها البعض ثم اختبارها لمعرفة الأخطاء، هذا الوصف المختصر جداً لا يعطي فكرة عن مدى تعقيد أنظمة التشغيل في هذا الوقت، هناك مشاريع أنظمة تشغيل لم تنضج إلا بعد خمس سنوات أو أكثر، وفي السنوات الأولى يكون نظام التشغيل بدائياً جداً ولا يصلح للاستخدام، والكثير من مشاريع أنظمة التشغيل بدأت ولم يكمل أصحابها رحلة تطويرها لأنهم ببساطة أدركوا كم هي أنظمة التشغيل معقدة، فهي تحتاج إلى إلتزام وقضاء عشرات الساعات كل أسبوع في البرمجة وتصحيح الأخطاء وبعد ذلك كله لا يستطيع المبرمج ضمان أن نظام تشغيله سيجد حصة ولو صغيرة في سوق أنظمة التشغيل.

القيادة والإدارة

القيادة تضع الرسالة وتجمع الناس لتحقيق هذه الرسالة، والإدارة تضع الأهداف التي تصل بالناس لتحقيق الرسالة، القيادة تركز على المدى البعيد والإدارة تركز على المدى القريب والمتوسط، الإدارة تهتم بتسيير الشؤون اليومية للمشروع، إدراك الفرق بين القيادة والإدارة أمر ضروري في كل عمل ومشروع ومؤسسة.

مشروع الخوارزمي ضخم جداً، لا يهدف فقط لإنشاء نظام تشغيل بل بيئة عربية متكاملة بدء من الأجهزة وحتى البرامج، الطموح أمر رائع بلا شك، والواقعية مطلوبة، أعتقد أن على المشروع التفكير في المدى القصير، ماذا يمكن تحقيقه خلال عام أو عامين؟ أو بأسلوب آخر يجب تقسيم الكعكة الكبيرة لأجزاء صغيرة ثم وضع خطة زمنية واضحة لإنجاز الأجزاء الصغيرة، ومن أكبر الأخطاء التي يمارسها أي مشروع طموح هو الخروج عن مسار الرسالة والأهداف إلى نشاطات جانبية ممتعة أو كئيبة، فمثلاً تخطر في فكرة لدى شخص ما، يتحمس لها يجمع الناس حوله لإنجازها لكنه لا يفكر كيف ستفيد هذه الفكرة المشروع الرئيسي، ولا يدرك أنه قد يخرج بالمشروع الرئيسي عن طريقه نحو هدفه الأساسي، وقد يبدأ أحدهم بنقاش موضوع ملتهب فيثير الناس من حوله وينقسم المشاركون في المشروع إلى فريقين أحدهما يؤيد والآخر يرفض وتضيع أوقات الناس في نقاش عقيم قد يؤدي إلى تأخير إنجاز الأهداف أو فشل المشروع.

على القيادة والإدارة هنا أن تقوم بمجموعة إجراءات لضمان أن المشروع سيسر في طريقه نحو تحقيق الأهداف والرسالة ولن يخرج عن هذا الطريق، في البداية أرى أن يركز المشروع على نظام التشغيل فقط ويترك مؤقتاً المشاريع الجانبية مثل لغات البرمجة العربية أو الأجهزة Hardware، سيأتي وقت هذه الأشياء لاحقاً، دعونا أولاً نقوم بإنشاء النظام، أما المشاريع الجانبية فيجب أن تكون مشاريع منفصلة تماماً ولها خطة وأهداف منفصلة وأناس آخرون يقومون بتولي إنجازها.

النقطة الثانية يجب كتابة رسالة واضحة للمشروع، ما هو هدف النظام؟ هل يهدف إلى أن يكون نظام سطح مكتب موجه للناس فقط وليس للمؤسسات أم للناس عامة والمؤسسات؟ هل يهدف إلى أن يكون نظام تشغيل للمزودات؟ يجب كتابة الهدف بشكل دقيق وواضح، لا يكفي أن نقول: نريد نظام تشغيل عربي، أو نظام تشغيل عربي متطور، يجب أن نكون أكثر دقة، فنقول مثلاً: نظام تشغيل عربي لسطح المكتب يمكن المستخدم من إنجاز أعماله اليومية بسهولة، ثم يجب أن نشرح الكلمات، فماذا نعني بقولنا عربي؟ وماذا تعني جملة سطح المكتب؟ وما هي الأعمال اليومية التي يمارسها المستخدم؟ ثم ما تعريف السهولة؟ ... لا ليس هذا تعقيداً بل إصراراً على أن نكون واضحين تماماً ولا نستخدم كلمات فضفاضة واسعة.

بعد ذلك يجب أن تكتب الخطة، كيف سنصل إلى تحقيق الهدف الرئيسي؟ يجب أن يقسم الهدف الرئيسي إلى أهداف صغيرة مقسمة على عدة مراحل، كل مرحلة لها وقت محدد، بالطبع يجب أن نقدر المدة اللازمة لتحقيق كل مرحلة ثم نضاعفها، فإذا قلنا أن المرحلة الأولى تحتاج إلى شهر علينا أن نضع لها شهرين، هذا الأسلوب يضمن أن المشروع سيكون لديه متسع من الوقت لتحقيق الأهداف، ومع ذلك ستظهر بعض المشاكل التي ستجبرنا على إعادة التخطيط وتمديد الوقت لبعض المراحل.

من الضروري أثناء التخطيط أن يتذكر القائمون على المشروع أن هناك مشاريع حرة كثيرة قامت بإنشاء أدوات وبرامج، وما عليهم سوى استغلالها في المشروع، يجب أن يبدأ المشروع من حيث انتهى الآخرون، من الخطأ أن يتم إنشاء أي شيء من الصفر ما لم تكن هناك فائدة كبيرة لفعل ذلك، البرامج الحرة ليست برامج غربية أو شرقية، بل هي عالمية، ومن الخطأ أن ننظر لها على أنها نتاج الغرب، بل علينا أن نستغلها لكي نطور مشاريعنا، وهي في الأصل حرة ولا يستطيع أحد أن ينمعنا من المشاركة فيها، لكننا للأسف لا نشارك مع الآخرين بالقدر الكافي، هناك استثناءات بالطبع.

هناك نقطة أساسية وضرورية، وهي الإدارة الموحدة، صلاحية اتخاذ القرار يجب أن تكون بيد شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص المتعاونين المتفاهمين، أي مشروع سيفشل بكل تأكيد إذا لم تكن هناك سلطة إدارية واضحة وقوية، ولا أعني هنا أن يستبد شخص ما أو مجموعة من الأشخاص بالقرارات، بل يجب أن تكون الإدارة حازمة في الأوقات الضرورية، ستواجه المشروع منعطفات تجبر الإدارة على اتخاذ قرارات صعبة، التردد قاتل الأفكار والمشاريع في مثل هذه اللحظات، لا بد من الحزم، طبعاً مع أخذ المشورة والبحث عن أفضل القرارات.

وحيثما يجتمع الناس ... تجتمع المشاكل! اختلاف البيئات والثقافات ومستويات التعليم وأسلوب التواصل بين المساهمين في المشروع والقائمين عليه يشكل بيئة خصبة لسوء التفاهم، وعلى الإدارة هنا أن تتبع سياسة شعرة معاوية، يجب عليها أن تحافظ على الشعرة ولا تقطعها، وهذا التوازن من السهل أن نتحدث عنه لكن صعب جداً عند التعامل مع الناس في الحياة العملية، يجب على الإدارة أن تحل أي مشكلة أو تقتل أي بوادر خلاف من البداية، لا يجب أبداً التساهل مع المشاكل سواء الصغيرة أو الكبيرة، وخير علاج لمثل هذه المشاكل هي الحرية، ليستمع الجميع لبعضهم البعض ولتطرح الآراء على اختلافها ولتكن صدور الجميع متسعة للخلاف، لا يجب أن يغضب أحد لمجرد أن شخصاً ما قال رأياً مخالفاً، وبالطبع يجب أن يتكلم الجميع بأسلوب حسن مؤدب ولا يستخدم لغة استفزازية تحرض الآخرين.

هذه مجموعة ملاحظات حول القيادة والإدارة، وحقيقة الموضوع واسع، ويمكن قراءة المزيد عن فنون القيادة والإدارة في الكتب وهي كثيرة، ويمكن استشارة أشخاص متخصصين في الإدارة لتعلم المزيد في هذا الجانب المهم، الإدارة هي الأساس بنجاحها ينجاح المشروع وبفشلها يفشل المشروع، وللموضوع بقية.