الثلاثاء، 31 يناير 2006

المقاطعة والحكومة وحرية الرأي

ما حدث في الأيام الماضية من دعوات مقاطعة ومواضيع كثيرة تنشر ومواقع تخصص للمقاطعة أمر جميل ويجعل المرء يسعد لأن الناس يتحركون، يبقى هناك شيء واحد يجب أن يفعله عدة أشخاص، وهو التذكير وتجديد العهد، مقاطعة البضائع الأمريكية مثلاً لا زلت أطبقها، وأعترف بأنني تساهلت بضعة مرات مع أصدقائي، يدعوني أحدهم لتناول العشاء ويكون المطعم أمريكي، كنت في السابق أقول: لا أريد أن أغضب هذا الصديق أو أكون عنيداً، لكن الآن لن أفعل ذلك، ما يمكن مقاطعته يجب ألا أشتريه ولن أتنازل عن هذا المبدأ، وإن لم يفهمني الآخرون فهذه مشكلتهم، فجددوا العهد.

أما بخصوص البضائع الدانماركية، شخصياً لا أشتري شيئاً منها، والبدائل المتوفرة كثيرة، دور التجار هنا أكبر، وجميل أن نرى صور بعض المحلات وقد رفعت البضائع الدانيماركية ووضعت لافتة تنبه إلى أنهم لا يبيعون أي منتجات لهذه الدولة، هذا هو التحرك الفعال والإيجابي ويجب أن يستمر وعلينا أن نشجعه.

سؤال يطرح: متى يجب أن ننهي هذه المقاطعة؟ شخصياً أقول: المقاطعة بدأت ويحب ألا تنتهي، حتى لو فعلوا ما نريد، إذا كان بإمكاننا أن نعتمد على البديل الإسلامي أو العربي لمدة شهر أو شهرين فلماذا لا نعتمد عليه طوال الوقت؟ سيقول البعض: البديل العربي أقل جودة، وفي هذا الكلام شيء من الصحة، لكنه يجب أن يحصر في بضائع محددة، المنتجات الغذائية العربية ليست أقل شأناً من المنتجات الغربية، ولا تنسوا تركيا وإيران وأندونيسيا وماليزيا ودول إسلامية أخرى، هذه الدول تنتج بضائع ذات جودة عالية في مجالات محددة، نحتاج فقط إلى من يعرفنا بهذه المنتجات ونحتاج أيضاً أن نحذف فكرة تفوق الغرب علينا في كل شيء.

المسألة هنا تتعلق بكرامة الإنسان واعتزازه بنفسه وثقافته ودينه وأرضه، لا مشكلة في أن أشتري ساعة سويسرية وحذاء ألماني وأشرب القهوة في مقهى أمريكي، وأتناول طعامي في مطعم ياباني، لا مشكلة في ذلك كله، المشكلة عندما أفعل ذلك وأنا على قناعة بأن ما ينتجه هؤلاء أفضل مما ينتج في بلادي، أفضل لأنه أمريكي، أفضل لأنني لا أحب ثقافة بلادي ولا أعتز بتاريخها ولا أهتم لقضايا العرب والمسلمين، المشكلة تكمن أيضاً في الاعتماد على الآخرين وعدم محاولة الاعتماد على النفس.

المقاطعة يجب ألا تكون مجرد ردة فعل، بل توجه لإعادة الاعتزاز بديننا وثقافتنا وبلادنا، يجب أن يعيد المواطن النظر إلى بلاده، فيساهم في تنميتها ولو بالكلمة، البعض سيقدم خدمة جليلة للأمة العربية والإسلامية بمجرد سكوته، كلما حدث شيء وبدأ الناس يتحركون يأتي البعض ليثبطوا الهمم ويثيروا معارك جانبية سخيفة، هؤلاء يمكنهم أن يقدموا خدمة جليلة لنا بسكوتهم، وليتذكروا قول النبي عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.

ماذا عن الحكومات؟

حكوماتنا العربية وقعت أو ستوقع على اتفاقيات تجارية بينها وبين الدول الأوروبية وأمريكا ووقعت على اتفاقية التجارة العالمية، قد يخرج لنا مسؤول عربي في أي قناة فضائية ليحدثنا بكلمات هلامية عن الاتفاقيات وكيف أننا سنتسبب بالضرر لأنفسنا بالمقاطعة، وعلينا ألا نكون عاطفيين ويجب أن نهدأ ونفكر بعقلانية.

أولاً: لتوقع حكوماتنا ما تشاء من الاتفاقيات، لا يمكنها أبداً أن تلزم أي مواطن بأن يشتري بضائع أمريكية ودانماركية، فلتدخل هذه البضائع ولتخرج كما دخلت، شراءها قرار المواطن وحده، وبالتالي نحن هنا نملك القرار، ثانياً: يمكن للتجار أن يوقفوا التعامل مع المنتجات التي نريد مقاطعتها فلا يعرضونها في المحلات ولا يستوردون المزيد منها، لا يمكن لأي حكومة أن تجبر التجار على جلب هذه البضائع وبيعها، حتى لو أجبرتهم على ذلك سيبقى للمشتري الكلمة الأخيرة.

ثالثاً: لا أتوقع الكثير من حكوماتنا، استدعاء السفير خطوة جيدة من الحكومة السعودية، هناك خطوات أخرى يمكن لأي حكومة عربية وإسلامية أن تتخذها، سنحتاج بعض التضحيات وسنواجه بعض التحديات، لكن في ظل وجود بعض الحكام أكاد أجزم بأنهم لن يفعلوا شيئاً ولولا الحياء لحاولوا أن يثنوا عزم الشعوب عن المقاطعة.

باختصار: الشعوب هي المحرك الأساسي.

إعادة النظر في مفهوم الحرية

إذا استمر النقاش الدائر بين الناس في أوروبا والعالم الإسلامي أعتقد أن مفهوم حرية الرأي والتعبير سيتغير قليلاً إما للأسوأ أو للأفضل، إما أن يخرج المتطرفون بانتهاكات أشد لرموزنا الدينية وعقيدتنا أو ينتشر وعي بين الناس حول أهمية احترام عقائد الآخرين، وأهمية التفريق بين النقد والهجوم على معتقدات الآخرين، والأمر في الحقيقة مرهون بنا نحن المسلمين، إن أظهرنا جديتنا ونفسنا الطويل في المقاطعة والحوار معهم سيدركون وقتها أن الأمر ليس ثورة عاطفية عابرة، وإن لم نستمر في مقاطعتنا لمدة طويلة ستصدق توقعاتهم بأننا شعب عاطفي يثور سريعاً ويهدأ سريعاً.

أذكركم هنا بأن الغرب عموماً يسخر من الأنبياء، وتحديداً عيسى عليه السلام لارتباطه بالنصرانية، ويظهر الأنبياء في أفلامهم وكتاباتهم بشكل سيء، زد على ذلك ما يكتبونه في حق الله عز وجل، هؤلاء لا يحترمون مقدسات الآخرين، ويمعنون في التحقير من شأن المقدسات لا لشيء إلا لنقد وتحطيم كل مقدس، لكن حرية الرأي تصبح عندهم محل خلاف عندما يتعلق الأمر باليهود، وهناك شواهد كثيرة على تناقضاتهم الديموقراطية.

وقد قرأت لأحدهم قوله بأن حرية الرأي لها ضريبة، وهي أن يكون المرء غير محترم تجاه أشياء كثيرة، وهذا الكلام أقل ما يقال عنه أنه هراء وسخافة، ولو طبقناه على أرض الواقع لكان من حق أي شخص أن يكتب بعنصرية تجاه السود لأنهم فقط سود، وتجاه اليهود لانهم فقط يهود، ويمس كل مقدس لدى الآخرين ويمس عرض وشرف بعض الناس، وينتهك خصوصيات البعض ويفضحهم، باختصار: فوضى تامة.

لا توجد حرية مطلقة، وما الحرية المطلقة إلا وهم يريد البعض أن يصدقه، ومفهوم "الحرية المطلقة" لو تتبعناه لوجدنا أصله في كتب بعض المفكرين الأوروبيين الذين دعوا لأن يكون الإنسان وحده هو الحكم والسيد على نفسه ومن حقه أن يطلق لنفسه العنان فيرتكب كل محرم ويبحث عن كل لذة ولا معيار هنا سوى معيار النفع والمتعة، فلا أخلاق تحكم ولا ضمير يردع.

آخر السطر

محلات كبرى في الإمارات وجمعيات تعاونية بدأت في المقاطعة، مظاهرة في دبي، حملة في قناة الشارقة الفضائية، بعض المسؤولين تحدثوا بصراحة لم أتوقعها، أعتقد أن كل هذا يجعلني سعيداً لبعض الوقت.