الأحد، 22 يناير 2006

عقلك يخونك أحياناً

البعض وصل إلى مرحلة التطرف في تقديس العقل، فجعله عقله حكماً على كل شيء، فما لا يستطيع عقله أن يستوعبه رفضه، ونعته بأنه غير موجود أو غير معقول، لأنه لم يستطع أن يدركه بعقله.

المشكلة هنا أن من يفعل ذلك ينسى أو يتناسى أن عقله ليس بكامل، في البداية، العقل كتلة من الأعصاب، لو عزلناها عن كل الحواس لبقي مجرد نسيج عصبي لا فائدة منه، والحواس نفسها غير كاملة، لا يمكننا رؤية كل شيء، بعض المخلوقات تستطيع أن ترى ما لا يراه الإنسان، وتسمع ما لا يسمعه، وتشعر بخطر الزلازل مثلاً وهو لا يستطيع بأدق المقاييس أن يتنبأ بوقت حدوث الزلازل.

أضف إلى ذلك أن الحواس يمكن أن تخدع، وهذا ما يدرسه البعض عندما يتعلمون فن الديكور الداخلي للمنازل، فإذا استخدمت ألواناً وأشكالاً معينة يشعر الإنسان بأن الغرفة واسعة رحبة، وإن استخدمت ألواناً أخرى تصبح الغرفة ضيقة كئيبة، مع أنها الغرفة نفسها لم يتغير حجمها.

ما تستقبله هذه الحواس الناقصة يؤثر بكل تأكيد على تصورنا للعالم من حولنا، ثم نأتي للمشاعر، الغضب والحزن والكبرياء والفرح وغيرها من المشاعر تؤثر على حكم العقل على الأشياء، فالمدرس مثلاً قد يعامل طالباً ما بشكل حسن ويعامل طالباً آخر بشكل سيء لا لشيء بل لمجرد شعوره بأنه معجب بالطالب الأول ويبغض الطالب الثاني، وقد يكون الثاني متفوقاً على الأول.

العالم في ذهنك ليس هو العالم الحقيقي، بل مجرد صورة مختصرة، وهذه الصورة المختصرة لا يمكنها أبداً أن تكون أساساً لفهم أشياء كبيرة قد لا نستوعبها، وعدم مقدرتنا على استيعاب بعض الأشياء لا يعني أنها غير معقولة أو غير موجودة، فما كان الإنسان يجهله في الماضي أصبح اليوم معروفاً، وما نجهله اليوم قد يعرفه الناس في المستقبل البعيد.

ما قلته سابقاً لا يعني أنني ألغي دور العقل، فلا حاجة لأن يعترض شخص ما ليقول لي: لكن ...!