الاثنين، 6 فبراير 2006

كتاب: مذكرات عبد الحميد الثاني

لا أظن أن هناك شخصية إسلامية مشهورة لقيت من التشويه ما لقيه السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، صديقي الذي أهداني الكتاب مهتم بالتاريخ والأدب منذ وقت طويل، أتذكر أنه أخبرني ونحن في المرحلة الإعدادية عن أستاذ للتاريخ يقول له عن عبد الحميد بالحرف الواحد: دا كان ما بيصليش! (كان لا يصلي).

سموه السلطان الأحمر، وصفوه بأنه مستبد كاره للعلم والمثقفين، حملوه مسؤولية حادثة 31 مارت كما يسميها في مذكراته، كانت الصحف تهاجمه بأبشع الألفاظ وهو خليفة وبعد أن خلع من الخلافة، وفي مذكراته ينفي التهم عنه ويوضح ما الذي حدث، المذكرات من إصدار دار القلم في دمشق ترجمها الدكتور محمد حرب، وتحوي هوامش لابنة السلطان عبد الحميد الأميرة شادية، واستفادت هذه الطبعة كذلك من مذكرات علي سعيد بك وهو مقرب من السلطان، ومذكرات طلعت باشا أحد أكبر المعادين للسلطان عبد الحميد.

في المذكرات يكشف السلطان بعض الأمور الخفية، أو على الأقل يوضح الأحداث من وجهة نظره، وقد ذكر أسماء كثيرة، بعض الأسماء يكن لها الناس احتراماً مع ذلك يقول السلطان عن أحدهم أنه أعد خطة مع الإنجليز للإطاحة بالخلافة، لن أذكر اسمه هنا، يكفي أن أشير إلى أنه شخصية مشهورة يصفونه بأنه داعية إصلاح وتجديد.

حقيقة من الصعب تلخيص ما كتب في هذه المذكرات، لأن ما كتب فيها على قلته يغطي فترة تاريخية مهمة ويحوي الكثير من التفاصيل، أنقل لكم ما قاله عن نفسه حول العلم:

أعمالي تدل على أني احترمت العقل والعلم

كنت عدواً للعقلاء! هكذا يكتبون دون أدنى خجل.

إذا كان العقلاء الذين يقصدون مثلهم، فإني لم أعط لهذا العقل أدنى اعتبار في أي يوم من أيام حياتي، وإذا كان يقصدون العقلاء الحقيقيين، فليقدموا نموذجاً واحداً على ذلك، لو استطاعوا أن يقدموا دليلاً واحداً على هذا فإني أقبل بكل ما يقولون، لأني أبحث طول حياتي عن الإنسان العاقل، ويا أسفا، لم أستطع أن أجده، ولذلك استخدمت أحياناً مثل هؤلاء الكتاب.

لو كنت عدواً للعقل والعلم فهل كنت أفتح جامعة؟ وهل كنت أنشئ المدارس التي تعد الإنسان المثقف مثل مدرسة ملكية شاهانه (تعادل كلية العلوم السياسية)، لو كنت هكذا عدواً للعقل والعلم فهل كنت إنشئ لفتياتنا وهن لا يختلطن بالرجال "دار المعلمات"؟ لو كنت عدواً للعقل والعلم حقيقة أفكنت أجعل من "غلطة سراي سلطانيسي" (مدرسة غلطة سراي السلطانية) في مستوى الجامعات الأوربية، وأفرض على الطلاب فيها دروس الحقوق؟

عندما أمرت بتدريس الفلسفة في مدرسة "ملكية شاهانه" تمرد الطلاب جميعهم وقالوا: "يريدون أن يجعلونا كفاراً". ولكني كنت أعرف الكفر ليس في العلم ولكنه في الجهل، وتمسكت بتدريس الفلسفة، ودرسوها مع تعديل في الاسم، غيرنا الاسم إلى "الحكمة"، كما أمرت بتدريس هذه الدروس في الجامعة باسم "الفيزيقا".

ويقول أيضاً:

لم أخش في يوم من الأيام من رجل متعلم، إنما أتجنب هؤلاء الحمقى الذين يعتبرون أنفسهم علماء بعد قراءتهم بعض الكتب، وهذه الفئة من الوالهين بالغرب، الذين تفتنهم معامل الأمم الوروبية وأزياؤها، لا تلقى مني أدنى عناية.

لست نادماً على هذا، ولكن هل يمكن أن يكون عدواً للعلم والعقل سلطان بذل كل ما في وسعه قرابة الثلاثين عاماً لكي يرى في كل قرية مسجداً وبجانب المسجد مدرسة؟ لينظروا إلى الكتب التي طبعت في عهدي ويقارنوها بما بعد ذلك، وكم في أوروبا من أديب وفيلسوف وعالم كبير طبعت أحسن أعمالهم في عهدي وراجت بيعاً وقراءة.

في جنازة السلطان قال رضا توفيق وهو أكبر معارضي السلطان عبد الحميد:

عندما يذكر التاريخ اسمك
يكون الحق في جانبك ومعك أيها السلطان العظيم
كنا نحن الذين افترينا دون حياء
على أعظم سياسي العصر
قلنا: إن السلطان ظالم، وإن السلطان مجنون
قلنا لا بد من الثورة على السلطان
وصدقنا كل ما قاله لنا الشيطان

لم أتمالك نفسي وأنا أقرأ ما كتبه السلطان في مذكراته حينما خلع عن الخلافة ونفي إلى سلانيك، كيف عاملوه بخسة لا يملكها إلا الساقط الذي لم يبقى حياء في نفسه، مع ذلك كان هناك أناس يحترمونه ويقدرونه ويعاملونه معاملة الخلافاء وهو منفي، رحمه الله رحمة واسعة.

إقرأ أيضاً: