السبت، 11 فبراير 2006

اشتري السيارة مع أقفالها!

تصور أنك اشتريت سيارة رائعة، لكنك لا تعرف كيف تستخدم هذه السيارة جيداً، لديك خبرة ومعلومات قليلة حصلت عليها من زملائك الذين اشتروا نفس السيارة، ولأنك لا تريد أن تظهر بمظهر المختلف عنهم، ولأنك لا تريد المخاطرة بشراء شيء غير معروف اشتريت نفس السيارة.

بعد مدة اكتشفت أن السيارة لا تحوي أقفالاً، ويمكن تشغيلها بدون مفتاح ويمكن سرقة بعض أجزاءها بسهولة تامة، تشتكي لزملائك فيخبرونك أن هذا الأمر طبيعي، فكل الناس لديهم نفس السيارة ونفس المشاكل، تتصل بالشركة المصنعة فتقول لك: هذه مشكلتك أنت لأنك لا تقوم بالفحص الدوري ولا تتبع تعليمات السلامة والأمان.

بعد ذلك تقوم الشركة المصنعة بالإعلان عن منتجها الجديد: أقفال للسيارات التي صنعتها بدون أقفال، وعليك أن تدفع مبلغاً من المال مقابل الحصول على هذه الأقفال، وأعلنت عن برنامج لتأمين سيارتك وعليك أن تدفع اشتراكاً سنوياً لكي تبقي سيارتك آمنة.

هل يعقل هذا؟ هل ترضى أن تشتري مثل هذه السيارة وأن تتعامل مع مثل هذه الشركة؟ هذه الشركة تسببت في خسارة الكثير من الناس والشركات والدول مبالغ تصل إلى ملايين الدولارات سنوياً، مع ذلك يدافع عنها الكثير من الناس بقولهم: يكفي أنها صنعت أسهل سيارة في العالم وأن هذه السيارة أصبحت معياراً لجميع الناس.

تبدو قصة مجنونة بعض الشيء، لكن هذا ما يحدث تماماً في سوق أنظمة التشغيل، ما يثير دهشتي أن الناس اعتادوا على مشاكل ويندوز لدرجة جعلتهم يعتبرونها من المسلمات التي لا تحتاج إلى نقاش، فكل ويندوز يحتاج إلى صيانة دورية، برنامج مضاد للفايروسات، برنامج مضاد لبرامج التجسس (spyware)، برنامج حماية أو جدار حماية (firewall)، ومع مرور الزمن يصبح النظام ثقيلاً ويحتاج إلى - ثالثة الأثافي - الفورمات!

سيقول بعض المدافعين: هو النظام الأكثر انتشاراً لذلك مخربوا الأنظمة يركزون عليه، وهذا ليس عذراً، عندما تصمم النظام بأسلوب يسمح للآخرين باختراقه بسهولة فكأنك هنا تصمم سيارة يمكن فتح بابها وتشغيلها بدون مفتاحها الأصلي، انتشار مثل هذه السيارة سيؤدي حتماً إلى زيادة عمليات سرقة السيارات، وﻷن ويندوز يمكن التلاعب به واختراقه بأساليب كثيرة يستغل المخربون هذه الثغرات.

نقطة ثانية: ألا يمكن تصميم النظام بحيث يكون آمناً وسهل الاستخدام في نفس الوقت؟ هل تستطيع مايكروسوفت أو أي شركة أخرى أن تفعل ذلك أم أنه أمر مستحيل؟ بالتأكيد ليس شيئاً مستحيلاً، ومايكروسوفت كان بإمكانها فعل ذلك في السنوات الماضية، مع ذلك سيتأتي البعض ليقول: أنتظروا نظام فيزتا القادم الذي سيحطم كل شيء أمامه وسيكون آمناً جداً، كيف تعرف أنه سيكون آمناً؟ هل لأن مايكروسوفت قالت هذا الكلام فصدقت كلامهم _التسويقي_؟ يبدو لي أنها قصة تتكرر مع طرح كل نسخة جديدة من ويندوز: آلة تسويق ويندوز تقول: أكثر أماناً وسهولة، والواقع يقول: ثغرة جديدة في ويندوز!

بعض المدافعين سيقولون: يكفي أن مايكروسوفت جعلت استخدام الحاسوب سهلاً وجعلته في متناول الجميع، مرة أخرى هذا ليس عذراً، هل علي أن أغض الطرف عن مشاكل السيارة الشهيرة المنتشرة بين أغلب الناس لأن الشركة ساهمت في انتشار السيارة وجعلتها في متناول اليد؟ هل علي أن أقبل بالجودة السيئة والأمان المهزوز ولا أكون جاحداً للشركة المصنعة؟

عندما أشتري منتجاً فأنا أتوقع على الأقل ألا يتسبب هذا المنتج في خسارة الوقت والجهد والمال، ويندوز يتسبب في خسارة كل هذه الأشياء، أضف إلى ذلك المشاكل الاجتماعية التي تتسبب فيها الثغرات الأمنية، كم شخصاً انتشرت بياناته وصوره وأسراره بسبب مخترق تمكن من الوصول لها بسهولة؟ كم شركة خسرت الملايين أو سرقت منها أسرارها أو بيانات زبائنها؟ كم من أسرار الدول والحكومات فضحت وسرقت بسبب هذه المشاكل الأمنية؟ هل علينا أن نعتبر ذلك أمراً طبيعياً ولا يجب أن نشتكي لأن مايكروسوفت أطال الله عمرها ساهمت في نشر الحاسوب؟! أقل ما يقال عن هذا التفكير أنه "مذلة" وخضوع وقبول بأحط معايير الجودة والأتقان.

سيقول البعض: مايكروسوفت هي أكبر شركة، وأكثرها إبداعاً، ولديها معاهد أبحاث، ولديها برامج لا مثيل لها، وتوظف آلاف الموظفين ... إلخ! ومرة ثالثة: هذا ليس عذراً، بل على العكس تماماً يجب أن توظف هذه المميزات لإنتاج نظام تشغيل سهل الاستخدام وآمن، لكن ما نراه في أرض الواقع شيء مختلف تماماً، مع كل هذه المميزات لا زال ويندوز إكس بي يعاني من ثغرات أمنية مع أن مايكروسوفت قامت مشكورة بعمل الكثير لسد هذه الثغرات واحدة تلو الأخرى.

عندما أتحدث مع الناس عن بدائل ويندوز، أجد بعضهم يطرح أسئلة مثل: هل يحوي مضاد فايروسات؟ هل يحوي برنامج حماية؟ وعندما أقول لهم: لا يحتاج إلى مثل هذه البرامج يستغربون! ويزيد استغرابهم عندما أخبرهم أنه لا يحتاج إلى فورمات أو صيانة دورية، ولن يصاب بمشاكل ويندوز، المشكلة تكمن عندما يسألونني عن برامجهم المفضلة "والمقرصنة" التي لن تعمل على أنظمة التشغيل الأخرى، عندما أقول: هناك دائماً بدائل قد تكون أفضل مما تستخدمون حالياً، أجدهم غير راغبين في تعلم أي شيء جديد، لسان حالهم: سنبقى على ما نحن عليه ولا نريد تعلم شيء جديد.

إذاً فلتعش الثغرات وانعدام الأمن وكل مخترق يمارس عمله بإخلاص وإتقان!!

نقطة أخيرة: في السنوات الماضية لم أكن أستخدم نسخة أصلية من ويندوز، لأنني لم أكن مهتماً بقضايا حفظ الحقوق، ثم ازداد الوعي لدي في هذا الجانب وبدأت في إيجاد بدائل مجانية أو حرة للبرامج التجارية، ثم جائت الفرصة واشتريت نسخة أصلية من ويندوز تكلف المئات من الدراهم، العجب كل العجب أن ياتي من يسرق نسخة من ويندوز وأوفيس ليدافع عن مايكروسوفت، نسخ البرامج ما هو إلا سرقة لجهود الآخرين، فكيف أسرق شخصاً وأدافع عنه في نفس الوقت؟!