السبت، 25 نوفمبر 2006

أفكار في علوم الحاسوب

لدي قناعة أن ما يدرس في الجامعات حول علوم الحاسوب ليس كافياً، هذا ينطبق أيضاً على التخصصات الأخرى لكن لنتحدث فقط عن الحاسوب هنا، لا أقول بأن ما يدرس في الجامعات ليس له قيمة بل أقول ليس كافياً، لأن الطالب لا يتعرف إلى الكثير من الأفكار الأساسية في هذا العلم ولا يجد من يعود به إلى الماضي ليعرف الأفكار التي كانت تستخدم من قبل خبراء الحاسوب في ذلك الوقت.

بعض من يدخل إلى عالم الحاسوب كتخصص ينبهر بتقنيات جديدة تعلن عنها شركات كبرى بآلاتها التسويقية، لكن لو بحث قليلاً لوجد أنها أفكار قديمة حقاً، وهناك أمثلة كثيرة:

  • تقنية البحث التي طرحتها أبل في العام الماضي وسمتها سبوت لايت ليست جديدة، مايكروسوفت أيضاً أضافت هذه الخاصية لنظامها القادم ولينكس يحوي هذه التقنية أيضاً، لكن الفكرة تعود إلى نظام بي أو أس الذي ظهر في أوائل التسعينات.
  • تقنية تايم ماشين التي سنراها في نظام أبل القادم والتي أبهرت الكثير من الناس بواجهة رائعة هي في الحقيقة تقنية تعود إلى أوائل الثمانينات وقد ظهرت في نظام VMS، مع التأكيد على أن أبل أبدعت في واجهة الاستخدام.
  • تقنية البرمجة الشيئية أو Object Oriented Programming تعود فكرتها إلى أواخر الخمسينات حيث ظهرت في لغة برمجة اسمه Simula.
  • يظن البعض أن تقنية الآلة الافتراضية أو Virtual Machine ابتكرت مع ظهور لغة البرمجة جافا، لكنها في الحقيقة تعود إلى الستينات من القرن الماضي.
  • النص المترابط أو ما يسمى Hypertext فكرته قديمة لكن في عالم الحاسوب لم تطبق عملياً إلا في عام 1968م في حاسوب NLS.

هذه مجرد أمثلة، ولو كنت أكثر دقة لذكرت بالضبط في أي تاريخ ظهرت الفكرة ومن ابتكرها، لكن لنكتفي بهذا القدر هنا لأنني أريد فقط أن أوضح النقطة التي أريد الوصول لها: هناك تقنيات ظهرت في الماضي ونحن نعيد اكتشافها اليوم.

نجاح أنظمة التشغيل اليوم وخاصة ويندوز وماك ومن بعدهما لينكس والبرامج الحرة أخر ظهور أفكار كثيرة أو حتى قتلها تماماً، لنأخذ ويندوز على سبيل المثال، الكثير من عامة الناس يظن أن أي نظام تشغيل يجب أن يأتي مع برامج حماية، وللأسف مجلات ومواقع ومنتديات الحاسوب تعزز هذه الفكرة لأنها تطرح مواضيع كثيرة حول كيفية حماية الحاسوب دون أن تذكر أن هناك أنظمة تشغيل لا تحتاج لمثل هذه البرامج، دون أن تذكر أن ويندوز يحوي عيوباً واضحة من الناحية الأمنية، والبعض يبرر مثل هذا الضعف الأمني بتبريرات كثيرة ويفترض أن أي نظام تشغيل ينتشر بشكل كبير سيتعرض لنفس ما تعرض له ويندوز وهذا ما لا أوافق عليه.

أليس من حق الناس أن يعرفوا البدائل المتوفرة؟ ويعرفوا كيف تعمل هذه البدائل وهل يمكن أن تلبي حاجات المستخدم أم لا؟ ما يحدث هو أن تبرر هذه المجلات بأن "الجمهور عاوز كده" وأن أكثر الناس يستخدمون ويندوز بالتالي لماذا نتحدث عن البدائل؟ لا أدري ما وظيفة مجلات الحاسوب هنا، هل هي تسويق منتجات بعينها أم توعية الناس حول التقنيات وفوائدها؟

لنترك ويندوز جانباً، لو قلت لك أن حواسيب الماضي أسرع من حواسيب اليوم كيف سيكون ردك؟ لدي قناعة أن حواسيب الماضي أسرع بكثير من حواسيب اليوم، لا أتحدث عن سرعة المعالج فهي بالتأكيد أسرع اليوم بمئات المرات، لكن هل تحقق نفس أداء حواسيب الماضي؟ لدي أسئلة بسيطة هنا:

  • هل تستطيع أن تعمل على حاسوبك فور تشغيله؟
  • هل يمكن لحاسوبك أن يطفئ نفسه خلال أقل من ثانية؟
  • هل تستطيع أن تشغل البرامج خلال ثانية واحدة؟

في الماضي كان حاسوب أبل 2 مثلاً يعمل فوراً بعد أن تضغط على زر التشغيل، إذا أردت أن تكتب برنامج في لغة البيسك عليك أن تضغط على زر CTRL+B وستذهب فوراً إلى محرر لغة البيسك لتكتب برنامجك، اليوم عليك أن تنتظر الحاسوب حتى يظهر سطح المكتب، هذا ينطبق على ماك ولينكس وويندوز وليست مقصورة على أحد هذه الأنظمة، بعد ذلك عليك أن تشغل البرنامج الذي تريد والذي يأخذ أيضاً بضعة ثواني ليعمل.

لماذا استطاعت حواسيب الماضي أن تعمل بسرعة؟ لسببين كما يقول ألن كاي:

  • لأن مبرمجيها أرادوا أن يفعلوا ذلك.
  • لأن مبرمجيها يعرفون البرمجة حقاً!

آخر فكرة أعرضها هنا: نظام تشغيل بدون برامج، هل يمكنك أن تتخيل ذلك؟ تصور أنك تستطيع أن تشغل الحاسوب وتعمل عليه فوراً بعد تشغيله لتكتب شيئاً ما ثم تغلقه بدون أن تحاول تشغيل برنامج ما أو تحفظ ما كتبته لأن الحاسوب سيحفظه لك، وإن عدت بعد ساعات لتشغل الحاسوب ستجد أنه يعرض لك آخر ما كتبته ويمكنك أن تكمل مباشرة ما بدأته، هل تتخيل ذلك؟

هل تتخيل أن هناك نظام تشغيل يحوي فقط 22 أمراً يمكنك استخدامها لإنشاء الوثائق، جداول إلكترونية، بريد إلكتروني والبرمجة، هذه الأوامر هي نفسها ستستخدمها في كل هذه التطبيقات بنفس الطريقة، هل يمكنك تخيل ذلك؟ هناك حاسوب اسمه كانون كات ظهر في عام 1987م كان يفعل ذلك.

ما أريد أن أقوله هنا لطلبة علوم الحاسوب وتقنية المعلومات وللمتخصصين في هذا المجال: هناك أفكار من الماضي ماتت لأن شركات اليوم لديها آلة إعلامية هائلة تقتل أي فكرة منافسة، هناك أفكار من الماضي تستحق أن نعود لها لكي نطبقها اليوم على حواسيبنا القوية البطيئة.

ستكون لدي سلسلة من المواضيع حول الأقكار التي ذكرتها هنا لأن كل فكرة تستحق أن نتحدث عنها في موضوع منفصل.

الموضوع القادم: كيف نستفيد من الجداول الإلكترونية؟