قبل خمس أو ست سنوات قرأت هذا الكتاب ولم أكن في ذلك الوقت أجيد قراءة اللغة الإنجليزية بنفس مستواي اليوم، كنت في الحقيقة أتصارع مع الكتاب لأنني أقرأه ببطئ وعلى يميني قاموس المورد الذي أستخدمته في البداية لفهم كل كلمة لا أعرف معناها، ثم توقفت عن فعل ذلك وبدأت في قراءة الكتاب وأنهيته سريعاً، لعله أول كتاب إنجليزي قرأته بالكامل، واليوم أقرأه مرة أخرى لأشعر بأنني لم أقرأه من قبل فالفرق كبير جداً بين هذه السنوات، كيف تعلمت اللغة الإنجليزية خلال هذه المدة؟ بالكثير من القراءة وارتكاب الأخطاء السخيفة.
هذا الكتاب يتحدث عن قصة رجل ساهم في تغيير عالم التقنيات، فقد ساهم في إنشاء الشركة التي جعلتنا نشاهد الأفلام ثلاثية الأبعاد والمؤثرات الخاصة التي ينتجها الحاسوب، وساهم في تطوير المتصفحات بأن أسس أول شركة تبيع متصفح ويب، ثم ساهم في شركات أخرى جعلته من أصحاب الملايين، لنقرأ قصة جيم كلارك.
ولد جيم في قرية صغيرة تسمى بلاينفيو بولاية تكساس في عام 1944م، لم تكن أسرته مستقرة وقد كان يعيش مع أمه في وضع مالي صعب، لم يكمل الدراسة وخرج من قريته ليعمل في البحرية الأمريكية.
هناك عرف جيم أن قريته الصغيرة ليست المكان الأسوأ في العالم ففي الجيش جرب الذل والهوان واحتقار الآخرين، وتعلم هناك أن الانتقام قد يكون دافعاً قوياً لكي يتفوق المرء على الآخرين.
في البحرية ظهر نبوغ جيم عندما كان يدرس هناك وقدم امتحان رياضيات وحصل على أعلى علامة في الفصل، أعيد الامتحان له لأنهم لم يصدقوا النتيجة الأولى ونجح في الاختبار الثاني فتأكدوا من تفوقه في الرياضيات، ولم يكن جيم نفسه يرى نفسه متفوقاً إذ أن مهارته في الرياضيات بالنسبة له طبيعية جداً.
بدأ جيم يتعلم في الفصول المسائية لجامعة تولاين وخلال ثمانية سنوات حصل على شهادة البكالريوس والماجستير في الفيزياء وحصل على شهادة الدكتوراه في علوم الحاسوب، وحصل على عمل في جامعة كاليفورنيا ثم جامعة ستانفورد.
في هذه الأعوام استطاع جيم ابتكار طرق لتسريع عرض الرسومات ثلاثية الأبعاد على شاشات الحاسوب، في الوقت الذي كانت فيه الحواسيب الشخصية مجرد ألعاب للهواة.
خرج جيم من جامعة ستانفورد ليؤسس شركة سيليكون غرافيكس المتخصصة في إنتاج محطات العمل التي كانت في ذلك الوقت حواسيب مميزة بالفعل من ناحية الشكل والأداء، واستطاعت هذه الشركة خلال سنوات قليلة أن تجعله من أصحاب الملايين.
كان جيم لا يعير الماضي أهمية فما حدث في الأمس لم يعد مهماً بقدر ما يريد أن يقوم بفعله في الغد، هكذا بدأ التفكير في إنشاء شركة تجعله من أصحاب البلايين، فهو ليس رجل أعمال أو إدارياً محترفاً بل هو إنسان يريد أن يصبح الأغنى والأشهر والأقوى، وهو لا يحب الثبات فكل شيء يجب أن يتغير نحو الأفضل وعليه هو أن يفكر كيف يفعل ذلك بطريقة تجعله أكثر غناً، لم يكن جيم يخفي طمعه في المزيد من المال.
في التسعينات وصلت علاقة جيم بإدارة سيليكون غرافيكس إلى طريق مسدود فقد كان شديد الانتقاد لمدير سيليكون غرافيكس الذي أتقن بيع وتسويق منتجات الشركة لكنه فشل في رؤية المستقبل وتطوير منتجات المستقبل، وقبل أن يخرج جيم من الشركة بسنوات توقع أن تنخفض أسعار الحواسيب الشخصية وتزداد قوتها وتسيطر مايكروسوفت على سوق أنظمة التشغيل لينهار سوق سيليكون غرافيكس وهذا ما حدث بالضبط، جيم توقع هذا قبل أن يراه الجميع.
خرج جيم من سيليكون غرافيكس وبدأ يبحث عن الشيء الجديد الذي سيغير العالم، فوجد ضالته في متصفحات ويب التي كانت وقتها شيئاً جديداً فقام بإنشاء شركة نيتسكيب التي بدأت حمى شركات الدوت كوم، وهي شركات تعد بأنها ستكون مربحة وذات قيمة عالية مع أنها في الواقع لا تملك نموذجاً جيداً لأعمالها ولا تملك فكرة عن كيفية جني الأرباح، مع ذلك كانت أسواق الأسهم ترحب بهذه الشركات وبأسعار أسهمها الخيالية.
نيتسكيب جعلت من جيم من أصحاب البلايين أو بالأحرى صاحب بليون واحد، ومرة أخرى توقع جيم أن تقوم مايكروسوفت بتدمير نيتسكيب وهذا ما فعلته إذ هددت مايكروسوفت شركات تصنيع الحاسوب ولم تتعاون مع نيتسكيب بتوفير الأدوات اللازمة لتطوير البرامج ثم وضعت متصفح إنترنت إكسبلورر في نظام تشغيلها لتبدأ رحلة تدمير نيتسكيب.
في هذه الأثناء كان جيم قد تخلى عن فكرة إدارة شركاته فهو فقط يؤسس ويحصل على جزء من الأرباح، وقد ساهم في ما بعد بإنشاء شركة هيلثيون التي تدخلت مايكروسوفت في سوقها وأجبرت جيم على أن تصبح شريكاً معه في الشركة الجديدة، ثم قام بإنشاء MyCFO التي تقدم خدماتها للأغنياء في وادي السيليكون.
في هذه السنوات التي كان جيم يقضيها في إنشاء الشركات وتنمية ثروته كان يقوم برحلات مكوكية بين أمريكا وأوروبا وتحديداً هولندا لكي يقوم بإنشاء أكبر قارب شراعي في العالم في ذلك الوقت وسماه Hyperion، صاري القارب يصل طوله إلى 59 متراً ويدار القارب بأكمله من خلال الحواسيب التي كتب جيم نفسه جزئاً كبيراً من برامجها.
هل اكتفى جيم بهذا القارب؟ بالتأكيد لا! قام بإنشاء قارب أكبر منه سماه أثينا، أظن أن جيم انتقم جيداً من فقر طفولته من الناس الذين حاولوا إذلاله في القرية وفي الجيش، وكأعراض جانبية لرحلته هذه أصبح مئات من المهندسين والإداريين من أصحاب الملايين.
تحديث: يبدو أنني أخطأت هنا، أحد مؤسسي يوتيوب هو زوج ابنة جيم كلارك، وهو Chad Hurley.