الخميس، 25 نوفمبر 2004

أين الجمعيات التطوعية؟

كنت سأكتب رداً في موقع الأخ عذبي على موضوع بعنوان: كريستوفر، لكن رأيت أن أكتب الرد في موقعي لأننا مجتمع إلكتروني ومن الجميل أن نتبادل الآراء بهذا الأسلوب، ولأن المواضيع ستأخذ حقها من النقاش وستصل إلى عدد أكبر من الزوار، وأتمنى من أصحاب المواقع الأخرى أن يشاركوا في النقاش ويكتبوا آرائهم في مواقعهم بدلاً من كتابة الرد في موقعي.

تحدث الأخ عذبي عن منظمة Make-A-Wish وقصة إنشاءها، وشخصياً قرأت عن هذه المنظمة في إحدى المجلات المهتمة بنظام لينكس، وقد كانت المجلة تتحدث عن الجانب التقني وكيف أن البرامج الحرة توفر المال على المنظمة، لكن دعونا لا ندخل أي شيء عن التقنيات أو السياسة في الموضوع، أريد أن أتحدث عن الإنسان والإنسانية، قصة كريستوفر وما فعله الشرطة من أجله ليست مجرد قصة، نحن أولى من الغرب بهذه الأخلاق، ديننا يحثنا على الرحمة والإحسان وبذل الخير ويشجعنا على ذلك مقابل الأجر والثواب في الآخرة، أي أننا نملك أيضاً دافعاً لفعل الخير، ولكن في أرض الواقع الأمر مختلف تماماً.

بعد ذلك طرح الأخ عذبي أسألة مهمة في تعليقه على قصة كريستوفر:
لماذا لا نرى مؤسسة كهذه لدينا؟ الا نملك الاحساس ام اننا جففنا مشاعرنا؟ ام ان الحياة اخذتنا على حين غرة فألتهينا بالعمل والمال والكماليات التي “نتفشخر” فيها امام البقية؟ ام هي السياسه؟
في البداية مهما كانت حالة أي مجتمع، لا بد من وجود أناس لهم قلوب حية يهتمون ويشعرون بمعاناة الآخرين، وبالتأكيد الحياة السريعة التي نعيشها والكماليات التي نشتريها وأسلوب حياتنا يجعلنا ندور حول ذواتنا فيمسي عالمنا باب مفتوح على الأنانية فقط، أما السياسة فهي شر لا بد منه، عند الحديث عن الطفل في العراق وفلسطين وحتى مصر لا بد أن تتدخل السياسة، فأوضاع دولنا ما هي إلا نتيجة السياسة التي يتبناها رجال الحكم.

على أي حال، العمل التطوعي هو عمل إنساني، ومنظمة "تمنى أمنية" ما هي إلا منظمة تطوعية قامت بإنشاءها امرأة في مطبخها وبثلاثين دولار فقط، هذه الثلاثين أصبحت اليوم 104 فروع في أمريكا وخارجها، وبالتأكيد زاد عدد المتطوعين فيها من امرأة واحدة إلى عشرات أو مئات المتطوعين، فلماذا لا نستطيع نحن أن نقوم بإنشاء منظمات تطوعية مماثلة؟

الكثير من المنظمات في الغرب قامت بسبب حادث ما، طفل مات بالسرطان فقام والداه بإنشاء مؤسسة لدعم أبحاث السرطان، شاب قتل بسبب الكراهية والعنصرية فيقوم زملاءه بإنشاء مؤسسة للقضاء على العنصرية، هذه أمثلة بسيطة، لننظر إلى مجتمعاتنا، كم طفل مات بالسرطان ولم يجد رعاية؟ كم طفل في عالمنا العربي لا يجد ثياب جديدة يوم العيد ولا ألعاباً؟ كم طفل في عالمنا يترك الدراسة أو لا يذهب إلى المدرسة أصلاً ويعمل في أعمال شاقة صعبة؟ ماذا عن المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة؟ كم مؤسسة تهتم بهم؟

العمل التطوعي يحتاج إلى أناس يتحركون، أناس يدركون أهمية العمل التطوعي، ولدينا فعلاً في عالمنا العربي مؤسسة تطوعية كثيرة، لكن يجب أن نطور أداءنا ونغطي جوانب النقص الكثيرة، والبداية بالوعي، ودعوني أتحدث عن الإمارات فقط، لا أدري لم أشعر بأن مجتمعنا نائم، قد قلت هذا في أحد اللقاءات التي دارت لمناقشة إنشاء جمعية مطوري المواقع، لم يطرق باب منزلنا أحد ليقول لنا: أنا فلان من الجمعية الفلانية وجئت هنا لأساعدكم أو لأزيد وعيكم في قضية معينة، لم يوقفني شخص ما في الشارع أو في السوق ليخبرني عن عمل تطوعي أو يزيد وعي في قضية ما، لا أشاهد ولا أقرأ شيئاً من هذا في التلفاز أو الصحف، إلا ما تفعله جمعية الهلال الأحمر فالصحف تغطي أخبارها جيداً، لكن ماذا عن بقية المؤسسات التطوعية، أريد أن أصرخ الآن: أين أنتم؟

هناك جمعيات موجودة لكن لا يسمع بها أحد، أريد أن أعرف كيف أنضم لهذه الجمعيات؟ ما هي أهداف هذه الجمعيات وكيف ستحققها؟ أريد أن أعرف مشاكل هذه الجمعيات وأسبابها، أريد أن أعرف من هم العاملون فيها وما هي خبراتهم وتخصصاتهم، باختصار أريد تواصلاً فعالاً من هذه الجمعيات، بدون التسويق والاتصال المباشر مع الجمهور لن تحقق هذه الجمعيات أهدافها.

النقطة الثانية تتعلق بالقانون، للأسف كنت أحتفظ بنسخة من قانون المؤسسات التطوعية لكني لا أجده الآن، على أي حال القانون فيه تعقيدات كثيرة، فمثلاً هناك حد أدنى لعدد الأفراد في أي منظمة تطوعية، مثل هذا الحد أراه أمراً غير منطقي، يمكن لشخص أن يبدأ بنفسه في إنشاء جمعية تطوعية، وهناك مادة أخرى تجبر الجمعية على الاستئذان من وزارة العمل قبل الحصول على أي تبرع سواء مالي أو عيني، بمعنى آخر لو كنت مديراً لجمعية ما وجاءك شخص ليتبرع بمبلغ مالي أو بسيارة مثلاً فعليك أن تذهب إلى وزارة العمل لكي تخبرهم بأن شخصاً ما يريد التبرع وإذا وافقت الوزارة تقوم بعمل الإجراءات الرسمية وتأخذ ما تبرع به الشخص! يبدو لي هذا تعقيداً زائداً عن الحد، وهناك مواد أخرى تتعلق بتشكيل مجلس إدارة للجمعية ومن ضمن هذه المواد مادة تسمح لوزارة العمل بالتدخل في شؤون الجمعية وتعيين مجلس إدارة جديد لها، هذه المادة قد تستغل بشكل سيء، وقبل كل ذلك لإنشاء جمعية ما يجب أن تقدم طلباً لوزارة العمل وانتظر موافقتها.

هذه بعض مواد القانون التي أتذكرها، والقانون يرجع إلى عام 1974م كما أتذكر وبالتأكيد تم إجراء بعض التعديلات عليه في السنوات الماضية، لكن يبدو أن التعديلات لا تكفي، بل لا بد من إعادة كتابته من جديد ومن الصفر، الإمارات اليوم ليست الإمارات قبل ثلاثين عاماً، لا بد من فتح المجال وبشكل واسع لكل من يريد أن يقوم بعمل تطوعي، هذا العمل سيكون مفيداً للمجتمع بأكمله، والدولة لا يجب أبداً أن تعتمد على المؤسسات الحكومية فقط، بل على الحكومية والخاصة والتطوعية أيضاً، العمل الخيري يمكن أن يسد نقصاً كبيراً في المجتمع فلماذا نضع العراقيل أمامه؟

هذه نقاط مختلفة حول موضوع مهم، أتمنى أن يساهم أصحاب المواقع الأخرى بآرائهم حول الموضوع.