الاثنين، 13 ديسمبر 2004

مدوناتنا بين الشرق والغرب

الكثير من الناس ينسون أن الحرية مسؤولية فهم يتذكرون الحقوق وينسون الواجبات، يطالبون بحقوقهم ويفرطون في واجباتهم، هذه حرية عرجاء، لأن الدنيا كلها تقوم على التوازن، والمطالبة بالحقوق فقط هو تطرف أيضاً وإن كان باتجاه آخر، فكل خلق حسن يقع بين خلقين قبيحين، فالكرم يقع بين الإسراف والبخل، وكذلك الحرية هي حقوق وواجبات، ولا تقوم الحرية بالحقوق وحدها.

هذه مقدمة ضرورية للدخول في موضوع المدونات بين معايير الغرب والشرق، تحدث الأخ أسامة عن المدونات الإماراتية وما رأى في بعضها من أمور لا يوافق عليها، وأجد نفسي متفقاً معه على الكثير مما ذكر.

في البداية لست بحاجة إلى أن يذكرني أي شخص بأن هذه مواقع شخصية وأن كل شخص لديه كامل الحرية لفعل ما يريد في موقعه، لأنني أعلم ذلك تماماً وأقول نفس الكلام للكثير من الناس، ولست بحاجة إلى أن يقول لي شخص ما بأنني لا أستطيع فرض رأيي على الآخرين هذا أمر بديهي معروف، فأنا أولاً لا أريد أن أفعل ذلك، وثانياً لا أملك سلطة لفعل ذلك، إنما أنا مجرد ناصح لإخوانه، وما أكتبه هنا موجه إلى أناس يشاركونني في الكثير من القيم، فهم مسلمون ونعيش على أرض واحدة، تجمعنا لغة وثقافة واحدة، والدين النصيحة كما قال خير البشر عليه الصلاة والسلام.

اللغة انتماء وثقافة

حقيقة هذا الكلام الذي سأقوله كان في صدري منذ سنوات، منذ أن بدأت أفهم أن هناك مواقع شخصية من نوع آخر اسمها بالإنجليزية blog أو weblog، وجدت مدونات لأناس من الإمارات تكتب باللغة الإنجليزية، أرسلت لأحدهم استفسر عن اللغة الإنجليزية، لماذا ونحن نعرب نخاطب أنفسنا والآخرين بغير لغتنا، جائني جواب منطقي وهو أن صاحب الموقع لديه أصدقاء من غير العرب، حسناً هذا سبب وجيه للكتابة باللغة الإنجليزية، قد يكون لشخص آخر سبب آخر وهو التواصل مع الغرب لإيصال الفكرة الصحيحة عن مجتمعاتنا، وهذا ما وجدته في بعض المواقع العربية الموجهة للغرب، وأنا شخصياً أفكر بإنشاء قسم فرعي أجنبي لكن لازلت بحاجة إلى تطوير مهاراتي في اللغة الأجنبية.

ليست المشكلة في الكتابة باللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات، المشكلة تكمن في أناس تخلو عن لغتهم لأنهم يرون التطور في لغة الآخر، أو يظنون أن لغتهم الأم ضعيفة ولا تواكب العصر، وبعضهم يعتذر بأنه لا يتقن الكتابة بالعربية، وهذه كلها أسباب يمكن علاجها، ضعف اللغة أمر طبيعي في ظل وجود مناهج تعليمية ضعيفة، ووسائل إعلامية تتكلم باللهجات المحلية أو غير المحلية! وهذا الضعف علاجه بالممارسة، لا يمكن أن تطور مهارتك في اللغة بدون أن تكتب فعلاً وتجرب وتقرأ كثيراً أيضاً، أما تصور البعض بأن لغة الآخر هي التحضر أو أن لغتنا ضعيفة هزيلة فهذه أفكار انهزامية، يمكن لأي شخص أن يتقن لغة الآخر وبمهارة عالية في نفس الوقت الذي يتقن فيه لغته الأم.

أحد أصدقائي متخصص في اللغة العربية وقريباً سيحصل على شهادة الماجستير في اللغة، وأخبرني عن رغبته في دراسة اللغة الإنجليزية أيضاً، وحقيقة أدهشني عندما أخبرني بذلك، لأنني أعرفه محباً للعربية ومتبحراً فيها وفي تاريخنا وأدبنا مع ذلك لم يمنعه كل هذا من إبداء رغبته في دراسة لغة الآخر، ليس لأن لغة الآخر هي الأفضل أو هي التحضر بل لأنها ضرورة في هذا الوقت.

الصورة أعلى صوتاً

الصورة لها تأثير كبير في زمن الفيديو كليب هذا، وشخصياً أحب التصوير وإن لم أمارس هذه الهواية منذ وقت طويل، لكن هناك محاذير كثيرة أتبعها عند تقييمي للصور، هناك مواقع شخصية يضع فيها أصحابها صوراً كثيرة، وأنا معجب بمهارات الكثير من أصحاب هذه الصور، لكن أتضايق بشدة عندما أرى صوراً عارية أو شبه عارية، صوراً تتناقض مع ثقافتنا وديننا، والعري الذي أتحدث عنه هنا ليس تعري الجسد فقط إنما التعري الثقافي أيضاً، فمن ينقل حياته الشخصية لنا بالتفاصيل التي لا ينبغي لأحد أن يعرفها فهذا تعرى ثقافياً، فلا ديننا ولا عاداتنا توافق هذا الأمر، أين الستر والعفاف والحياء؟ البعض تعرى من هذه القيم.

البعض قد يتحجج بأن التصوير نوع من الفنون لكن أي فن هذا الذي يصطدم مع قيمنا؟ ما القيمة الفنية في تصوير رجل لنفسه بأوضاع غريبة حتى اعتقدت لوهلة أنه ليس بالذكر ولا الأنثى؟! ما القيمة الفنية أو في تصوير أشياء شخصية جداً أستحي من ذكرها هنا؟ نعم أفهم أن البعض يريد نقل صور عن حياته فيصور طعاماً تناوله في مطعم، أو كوب شاي "كرك" أو أشياء اشتراها أو مكان زاره، أو صوراً لأطفال، لا بأس بمثل هذه الأشياء، لكن أن يصل الأمر إلى تصوير ما لا ينبغي تصويره وعرضه على الناس فهذا أمر مرفوض بالنسبة لي.

الدنيا لم ولن تخلو من أشياء جميلة نصورها، إبداع الخالق في هذا الكون يستحق منا أن نتأمل فيه، فدعوني أرى صوراً تجعلني أقول عندما أراها: سبحان الخالق، أو صوروا لنا ما يجعلنا نناقش همومنا ومشاكلنا كما فعلت الأخت UAE Kitten عندما صورت السوق المركزي في مدينة أبوظبي، هناك مجال واسع للإبداع في التصوير فلماذا يصر البعض على مخالفة ديننا وعاداتنا وتصوير ما لا يليق؟

إلى الغرب

البعض منبهر بالغرب انبهاراً جعله يتوق لكي يصبح غربياً ... أو بالتحديد أمريكياً أكثر من الأمريكين أنفسهم، ولا أنسى أبداً تلك المناقشة القصيرة مع أحد الأصدقاء، كان يدرس في المرحلة الثانوية ولم ينتهي منها بعد، قرر أن يسافر إلى أمريكا لإكمال الدراسة هناك وبدأ يحدثني عن شوقه لرؤية الحضارة والتمدن، حذرته من السفر ونصحته أن يكمل الدراسة هنا ثم يدرس في جامعة أمريكية إن أراد، لكن شوقه للسفر أعماه عن رؤية ما هو صحيح، ضيع سنوات هناك وعاد ولم ينجز ما كان يخطط له.

الغرب فيه أمور كثيرة جميلة ويمكن أن نأخذها، كالتطور التقني والتنظيم الإداري وغيرها من الأمور التي لا تمس ديننا، أما قيمهم ومبادئهم فهذه لا تصلح لنا، القيم الغربية بما فيها الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير ليست قيماً كاملة لا نقص فيها، بل فيها الكثير من الأخطاء ولا يعني ذلك أنني أوافق على الوضع السياسي المزري لدينا، ما أريد أن أقوله بأن الغربيين أنفسهم انتقدوا قيمهم وحضارتهم وبينوا عيوبها، والبعض لدينا أخذ منهم كل شيء بعيوبه.

ساعة وساعة

أعجب ما أراه في بعض المدونات هو وجود تناقض صارخ بين أمرين، فمثلاً يكتب أحدهم عن رمضان وكيف أنه شهر الروحانية والغفران وبعد ذلك يكتب عن أمر يناقض ما كتبه عن رمضان تماماً، أو يضع أحدهم صورة شبه عارية وبجانبها صورة للمصحف! هذا التناقض يمكن أن نراه بشكل إيجابي، إذ أن هؤلاء الناس الذين يضعون صوراً للمساجد والمصاحف وما له علاقة بديننا فيهم خير وهم لم يقطعوا علاقتهم بدينهم، هذه الصور تخبرنا بأنهم يهتمون ولو بشكل بسيط بأمر الدين، لكني أتوق إلى إنهاء هذا التناقض، فلماذا يا إخوة ويا أخوات أرى في مواقعكم ما يخالف ديننا؟

لا أدعوكم إلى التعقيد والجدية دائماً فالإنسان يشعر بالملل من المداومة على شيء واحد، وديننا دين التوازن والاعتدال، فإن أراد الإنسان أن يلهو فليكن لهوه عبادة أيضاً، اللعب مع الأطفال بنية إدخال السرور عليهم يؤجر عليه الإنسان، هذا مثال فقط، فلنستمتع بحياتنا بالحدود التي رسمها لنا ديننا وهي حدود واسعة تكفي الناس.

في النهاية ...

لست شرطياً ولا أملك سوى أن أكتب هذه الكلمات، من أراد أن يخالف ديننا ويضع ما يريد من مواضيع وصور فهو حر وهذا شأنه، أتمنى فقط ألا ينسى أن هناك رب يراه ويعلم سره ونجواه، إن لم يراقبنا أحد فالله يرانا، هذا ما نؤمن به، ونؤمن أن بعد الدنيا حساب، وأن هذه دار فناء وسنرحل منها إلى دار بقاء، فضع ما كتبته يدك أو صورته في الميزان، أيرضي الله أم يسخطه؟ أنت الحكم.