الجمعة، 17 ديسمبر 2004

أمطار الرحمة في أبوظبي

بالأمس خرجت مع أهلي إلى السوق، وقد ذهبوا إلى مكان خاص بالنساء فقط فجلست في السيارة أنتظر، ونسيت أن آتي مع بكتاب أقرأه، مرة أخرى أكرر نفس الخطأ، وقت الانتظار هذا يمكن أن يستغل في القراءة أو الكتابة أو أي شيء آخر، لا تنتظر شيئاً دون أن تفعل أي شيء، سواء كنت تنتظر موعدك في عيادة أو تقف في طابور طويل، استغل وقتك هذا، فهو وقت ميت لدى أغلب الناس، والعاقل من يستغله في ما يفيد.

جلست لعشر دقائق أو أكثر، ثم قررت أن أخرج وأمشي فالجو جميل بارد، فتجولت بين البنايات الطويلة أنظر في وجوه الناس وأتأمل حركاتهم وأنظر في المحلات ولافتاتها وفي كل شيء، دقائق معدودة قضيتها في هذا المشي كانت كافية لترد لي بعض الروح، لا أدري لم كنت سعيداً بهذا المشي، لعلها المرة الأولى التي أنظر فيها إلى الأشياء دون أن أحكم عليها، عادة ما كنت أعود من رحلات المشي هذه وفي رأسي فكرة حول مقالة أنتقد فيها شيئاً ما، لكن هذه المرة لم ولن أكتب عن شيء، يكفيني أنني شاهدت الكثير من الأشياء التي غابت عني سابقاً.

تعودت في السابق أن أنظر إلى الأشياء من حولي نظرة ناقد، لكني الآن أشعر بالضيق من هذه النظرة، لم لا أحاول فهم الأشياء من حولي كما هي لا كما أريد أنا أن أفهمها؟ لعل بعضكم يظن أنني بدأت في الفلسفة! شأشرح لكم ما أريد أن أقوله بأسلوب آخر، الغربيون عندما يأتون إلى بلداننا يستغربون من أشياء كثيرة يرونها غير منطقية أو غير طبيعية، وذلك لأنهم يحاولون فهم مجتمعاتنا بقيم مجتمعاتهم، هم يجعلون قيمهم الخاصة مقياساً لنا ولا يحاولون إلغاء هذه المقاييس وإلغاء أية أحكام مسبقة، ولا يحاولون فهم مجتمعاتنا كما هي، كذلك نحن عندما نسافر إليهم نفعل نفس الشيء، بالطبع هناك استثناءات، هناك أناس لديهم من الوعي ما يكفي لكي يحاولوا فهم الأشياء دون أحكام مسبقة.

لذلك بدأت ومنذ أيام معدودة في النظر إلى الأشياء نظرة مختلفة قليلاً، ليست نظرة ناقد إنما نظرة من يرغب في المعرفة والاكتشاف، هل تتذكرون أيام طفولتكم؟ أجزم أن كل واحد منكم كان يشعر بالإثارة والاستغراب حينما يكتشف شيئاً جديداً، هذا الشعور هو ما أبحث عنه الآن في نظري وتأملي للأشياء، أن أكتشف أشياء جديدة غابت عني سابقاً.

وفي موضوع مختلف قليلاً، هطلت أمطار الرحمة اليوم على أبوظبي بعد انقطاع طويل، لم تدم طويلاً لكنها كانت كافية لتنظيف الهواء وخروج الأطفال وكذلك مجانين السيارات الذين يتحينون هذه الفرص لتخطيط الطرق بإطارات سياراتهم! رأيت طيور النورس تحلق حول منزلنا، تماماً كما تفعل كل عام عندما يأتي الشتاء، رأيت اليوم طيراً لأول مرة أراه، كان صغيراً بني اللون وله ذيل طويل، التأمل في الطيور والمخلوقات والسماء والنجوم يشعرني دائماً بفرحة غامرة لا يمكن أن أصفها، لذلك أردد دائماً: سبحان الخالق.