الأربعاء، 9 مارس 2005

الخيارات قد تزيد من تعقيد حياتنا

يعتقد الكثير من الناس أن زيادة الخيارات تمكننا من إرضاء جميع الأذواق، وعلماء النفس يقولون: زيادة الخيارات تزيد من تعاستنا ومن تعقيد حياتنا، دعوني أضرب أمثلة حتى أوضح ما أريد أن أقوله، لنتصور أن شخصاً ما لديه مبلغ مالي كافي لشراء سيارة متوسطة الحجم متوسطة السعر، ليست بالغالية ولا الرخيصة، ولنتصور أن هذا الشخص ليس لديه فكرة واضحة عن السيارة التي يريدها، هذا يعني أن جميع السيارات التي يستطيع شراءها يمكن أن تكون أحد الخيارات، وهذا يعني عشرات السيارات ولا ننسى أن كل سيارة لها مواصفات مختلفة فتقفز الخيارات هنا إلى المئات.

البعض سيقول: مئات الخيارات متوفرة له، هناك بالتأكيد سيارة سترضي ذوقه، لكن علماء النفس لا يوافقون هذا الرأي، فلو اشترى هذا الإنسان إحدى السيارات، سيبقى يفكر في السيارات الأخرى التي لم يشتريها، لن يكون راضياً تماماً عن قراره، فهو يفكر في أن هناك سيارة ما أفضل من سيارته في نقطة معينة، وسيارة أخرى أفضل في نقطة أخرى، وهكذا يفكر في الخيارات الأخرى التي لم يشتريها بدلاً من الاستمتاع بالسيارة التي قرر أن يشتريها.

مثال السيارات هذا ليس مجرد مثال بل هو واقع نعيشه، بعض أصدقائي يحدثونني عن رغبتهم بشراء سيارة لكن الحيرة تصيبهم من هذا الكم الكبير من الخيارات المتوفرة، ولم أجد إلا شخصاً واحداً لديه صورة واضحة عن السيارة التي يريدها، فهو يريد سيارة فخمة كبيرة الحجم تصلح للاستخدام الشخصي والعائلي وتبقى معه سنين طويلة، وقد قرر أنه سيشتري مرسيدس لكنه متردد بين فئتين متقاربتين، هذا الشخص حصر خياراته بين سيارتين فقط، وأعتقد أنه سيكون سعيداً بقراره في النهاية، على عكس من يبجث عن عشرات الخيارات، سيضيع وقته وجهد وربما ماله وفي النهاية لن يكون سعيداً بقراره.

زيادة الخيارات = زيادة التعقيد، هذه قاعدة يمكن تطبيقها على الكثير من الأشياء من حولنا، إذهب إلى الأسواق ومراكز التسوق، ستجد عشرات أو مئات الأنواع من الصابون مثلاً، ومعظمها لا تختلف عن بعضها البعض إلا في اللون والشكل وأسلوب التسويق، لدينا مئات العلامات التجارية لكل شيء، الغذاء والملابس والأحذية والإلكترونيات والحواسيب، والإنسان منا يضيع الكثير من وقته وجهده للبحث والمقارنة واختيار الأفضل، وقد استغل البعض هذه المشكلة ليقوم بإنشاء مواقع أو نشر مجلات تساعد المشترين على اتخاذ القرار وشراء ما يناسبهم.

كيف نتجنب التعقيد؟ سواء كنت مطوراً للمواقع أو للبرامج أو كنت مديراً لشركة ما أو صاحب محل تجاري أو حتى مالكاً لمطعم، وفر للآخرين الخيارات المناسبة وليس كل الخيارات المتوفرة، لا يمكنك إرضاء الناس جميعهم ولو حاولت فعل ذلك ستنفق الكثير من وقتك وجهدك ومالك على إرضاء قلة ولن يعود عليك ذلك بربح أو فائدة كبيرة، فكر في ما يحتاجه معظم الناس وليس كل الناس.

أما إذا كنت أنت في موقع الاختيار فحاول أن تقلص خياراتك إلى خيارين أو ثلاثة على الأكثر، إذا أردت شراء تلفاز مثلاً ففكر في تلفاز من شركة معروفة بجودتها وسيكون سعره في الغالب مرتفعاً، وفكر في خيار آخر من شركة أخرى تقدم منتجها بسعر منخفض وإن كان على حساب المواصفات المتوفرة، لا تعقد حياتك بالمقارنة بين عشرات الخيارات، ولا تشتري شيئاً يحوي مواصفات كثيرة قد لا تستخدم معظمها، الوقت الذي تبذله من أجل المقارنة هنا أثمن بكثير من المال الذي ستنفقه على المنتج.