الجمعة، 8 ديسمبر 2006

إعادة اكتشاف إنجلبارت

تصور معي أن لديك حاسوباً يحوي معالجاً بطيئاً لا تزيد سرعته عن 4 ميغاهيرتز، وذاكرته تصل إلى 192 كيلوبايت، أما سعة التخزين فهي 96 ميجابايت، هذا الحاسوب يبعد عنك ما يقرب من 25 ميلاً (40 كيلومتر) وأنت تتصل به عن طريق حاسوب آخر ماذا يمكنك أن تفعل بمثل هذه المواصفات؟

في أيامنا هذه التي تبلغ فيها سرعة الحواسيب أكثر من 3 غيغاهيرتز لا يمكن أن تستخدم حاسوباً بسيطاً لتشغيل أي نظام متقدم، لكن دوغلاس إنغلبارت وفريق العمل الذي يعمل معه استطاع أن يحقق الكثير بمثل هذه المواصفات البسيطة، ففي عام 1968م قام دوغلاس بعرض لقدرات حاسوب NLS وأفكاره وكان العرض يتضمن الكثير من الأفكار المبتكرة في ذلك الوقت:

  • الفأرة.
  • لوحة مفاتيح بخمسة أزرار لكتابة جمل قصيرة.
  • النص المتشعب أو ما يسمى هايبر تكست.
  • الدردشة بالصوت والصورة.
  • النوافذ، المقصود هنا إمكانية إيجاد مساحة على شكل نافذة تعرض معلومات معينة ولا تغطي كامل مساحة الشاشة.
  • البريد الإلكتروني.
  • ما يسمى بالإنجليزية Outlining، لم أجد ترجمة مناسبة لهذه الكلمة.
  • العمل المشترك بين شخصين على وثيقة واحدة.
  • عرض البيانات بأشكال مختلفة.
  • الوثائق تحوي صوراً ونصوص في نفس الوقت، نعم كان هذا شيئاً جديداً في عام 1968م!
  • كتابة وتحرير الوثائق تفاعلياً.
  • استعراض مصدر نظام التشغيل ثم تعديل جزء منه وترجمته إلى لغة الآلة ودمجه مع نظام التشغيل فوراً، أي برمجة حية ومباشرة!
  • والعديد من الأفكار الأخرى.

تذكر مرة أخرى أن هذا حدث في عام 1968م أي قبل أربعين عاماً وفي حاسوب مواصفاته بسيطة لا بل أن ساعة رقمية اليوم تتفوق عليه في المواصفات، مع ذلك كان الحاسوب يقدم استجابة فورية أو شبه فورية للأوامر مع أن هناك 20 شخصاً يستخدمونه في نفس الوقت، لماذا لا نستطيع فعل ذلك في حواسيب اليوم التي هي أسرع بمئات المرات من حواسيب الماضي؟

من المؤسف حقاً أن معظم ما أنجزه إنجلبارت مع فريق عمله لم يحظى باهتمام كافي إلا جهاز الفأرة، والرجل الآن يشعر بالضيق عندما يتحدث معه أي شخص عن الفأرة فقط متجاهلاً كل الأفكار الأخرى التي ابتكرها والتي في نظره لا تقل أهمية عن الفأرة.

يمكن أن أقول بأن أهم ما ابتكره إنجلبارت هو وسيلة لإنشاء قاعدة معرفة شخصية وجماعية مشتركة يمكن من خلالها التعاون من أجل إنجاز العمل، هذا التصور احتاج ثلاثين عاماً حتى يظهر في المنتجات التجارية، وحتى الآن لا زالت أفكاره متقدمة على ما يقدم اليوم في المنتجات التجارية.

الأساس الذي تقوم عليه أفكار إنجلبارت تعود إلى عام 1945م حين نشر فانفير بوش مقالة بعنوان As We May Think والتي ألهمت إنجلبارت للتفكير في أداة تزيد من ذكاء ومعرفة الإنسان، العالم من حولنا يزداد تعقيداً والمعرفة والمعلومات تتضاعف كل يوم، ولذلك لا بد من إيجاد وسيلة لإدارة هذه المعرفة والاستفادة منها واتخاذ القرارات على أساسها، والحاسوب يمكن أن يكون هو الأداة المناسبة، وإن أضفنا لعقولنا عقول الآخرين أيضاً سيكون لدينا ذكاء ومعرفة مشتركة أكبر مما يتصوره أي شخص.

النظام الذي طوره إنجلبارت لم يكن سهل الاستخدام، فحتى تستفيد من خصائصه المتقدمة لا بد أن تتعلم أساسيات استخدامه، ألا يحدث هذا مع السيارات والأجهزة الإلكترونية؟ ألا تحتاج أن تتعلم أولاً كيفية استخدام الأدوات قبل أن تستفيد منها؟ الأدوات التي تقدم أداء عالياً لا بد أن تتعلم استخدامها ولا تتوقع أن تكون سهلة الاستخدام وبديهية، بينما الأدوات البسيطة يجب أن تبقى بسيطة وسهلة التعلم.

لكن صعوبة استخدام نظام NLS جعلت أفكاره محصورة بمراكز البحث، ومرت الأعوام وبدأت تظهر شركات الحاسوب المعروفة ونهضت صناعة الحاسوب التي اعتمدت على أفكار مختلفة حتى أصبحت هذه الأفكار هي الأساس.

بالطبع قام البعض بجهود لإعادة تطبيق أفكار إنجلبارت في هذه الأيام، أحدث هذه المحاولات هو مشروع هايبرسكوب الذي يطبق أفكار إنجلبارت وينقلها إلى شبكة الويب ويستفيد من قدرات تقنيات شبكة الويب، إن نجح هذا المشروع سنتمكن من إنشاء قواعد معرفة خاصة وعامة متصلة بالعالم كله.

إقرأ المزيد