عندما يحيط المرء منا نفسه بأشياء يحبها ويتعلق بها، أشياء يقرأ عنها ويتحدث عنها وربما يكسب رزقه من خلالها،عندما يكون حال أحدنا بهذا الشكل ننسى أو ربما نغفل عن حقيقة أن الناس من حولنا ليسوا مثلنا.
نعم أمر بديهي أن الناس مختلفون لكن إلى أي مدى ندرك هذه الحقيقة؟ شخصياً وقعت في الكثير من الأخطاء عند تعاملي مع الناس لأنني كنت أتصرف بأسلوب الشخص الذي يظن أن الناس كلهم يفكرون مثله، لم أستطع إيصال أفكار وقناعاتي للآخرين لأنني لم أستطع فهم طريقة تفكيرهم أو إلى أي مدى هم مختلفون عني، وعندما أقول أن الناس مختلفون لا أعني أن شخصاً ما أفضل من غيره، هم فقط مختلفون.
لنأتي إلى تقنيات المواقع، أمضيت ثلاث سنوات وبضعة أشهر في هذه المدونة أكتب عن أمور كثيرة، عن تقنيات تطوير المواقع، البرمجة، المعايير القياسية، قابلية الاستخدام والوصول، البرامج الحرة، المدونات وغيرها الكثير من المواضيع، وقد وجدت نتيجة طيبة لكل هذا، أناس من مختلف بلدان العالم يزرون الموقع ويقرأون محتوياته ويستفيدون منه، وبعضهم قام بإنشاء مواقع ومدونات.
لكن دعوني أخرج من عالمنا هذا إلى العالم خارج غرفتي، إلى العالم الحقيقي الذي أعيش فيه، العالم الذي لا يعرف شيئاً عن الذي يحدث في الشبكة، أناس يعيشون حياة مختلفة لهم أفكار وأهداف مختلفة.
عندما أتصل بهذا العالم المختلف أجد أناساً يسألونني إن كنت أعيش في هذا العالم ولماذا أنا منقطع عنهم، وأنا بدوري أفكر بنفس الطريقة فأظن أنهم لا يعيشون في هذا العالم فكيف لا يعرفون شيئاً عن آخر مستجدات التقنية؟
هناك فجوة في الإدراك والتواصل،يمكن ردم هذه الفجوة بالحوار الصريح، بتوضيح وجهات النظر وتوقع أن يكون لكل شخص وجهة نظر مختلفة، بأن نؤمن بأن وجهات النظر الأخرى قد تكون صحيحة، ونوضح ما هي أهدافنا ورغباتنا، هذا النوع من التواصل المباشر الصريح يصلح للكثير من الحالات.
لكن هناك فئات صعبة من الناس ستضطر للتعامل معهم، فهناك فئة "أعلم كل شيء" وهذه فئة تستطيع أن تقنعك بكل الوسائل بأنهم يعرفون إدارة الأعمال والتسويق واللغة والفيزياء والعلوم الإنسانية ويعرفون كيف يجب أن تصمم المواقع وتبرمج ويعرفون كيف يمكن لأحدهم أن يضع رجله على القمر، لا تناقش هؤلاء ولا تجادلهم لأنهم يظنون أنهم وحدهم على حق وأن رأيك خطأ لا يحتمل أي صواب، مع الأن الآراء نسبية قد تحوي شيئاً من الحقيقة أو الكثير منها.
فئة أخرى يمكن أن أسميها "لا يهمني"، هذه الفئة قد تقتنع بما تقول وتوافقك لكنها لا تهتم بالإتقان، فالمواعيد مفتوحة والتأخير أمر طبيعي، ولا يهم أن يكون الموقع متقناً في برمجته وتصميمه، الإتقان عند هؤلاء ما هو إلا تعقيد غير ضروري، حاول أن تتجنب العمل مع هؤلاء أو افرض نفسك عليهم ودعهم يدركون أن الإتقان أمر لا يمكن التساهل فيه.
نحن بحاجة إلى الخروج إلى العالم خارج الشبكة، بحاجة إلى تسويق أفكارنا والتقنيات إلى هذا العالم الذي قد لا يعرف شيئاً عنها، التسويق هنا لا يعني البيع والشراء، بل أعني به تشجيع وحث الناس على استخدام التقنيات، كيف يمكن أن نجعل الناس يرغبون في استخدام التقنيات بفعالية؟ كيف نجعلهم يرغبون في إنشاء مواقع متقنة تحقق أهدافهم أو أهداف مؤسساتهم؟
التسويق يملك إجابات كثيرة على هذه الأسئلة، الحديث العقلاني العلمي لا يكفي لإقناع الناس، والأدلة على ذلك كثيرة، هناك مئات أو ربما آلاف الدراسات التي تتحدث عن السمنة والصحة وفوائد الحمية مع ذلك لا زال الكثير من الناس غير مهتمين بصحتهم وأنا واحد منهم.
التسويق الذي نحتاجه يجب أن يخاطب العقل والروح معاً، يجب أن يكون عقلانياً وعاطفياً في نفس الوقت، يجب أن يكون متواصلاً يخاطب الناس بين حين وآخر ويذكرهم بالأفكار المهمة وكيف يمكنهم تطوير حياتهم.
الآن، بما أنني لست خبيراً في التسويق ... هل لدى أحدكم فكرة حول هذا المجال؟ هل تملك وسيلة يمكن بها أن نصل إلى الكثير من الناس ونخبرهم بأهمية التقنيات وكيف يمكنهم أن يستفيدوا منها عملياً؟
بالمناسبة، ما قلته عن التقنيات ينطبق أيضاً على أي مجال آخر، فمثلاً قضايا البيئة والصحة يجب أن تسوق للناس تماماً كما نسوق المنتجات، إن لم يكن هناك شغف في تسويق هذه القضايا فلن نجد أي تغيير إيجابي يتعلق بها.