عندما تسمع كلمة "التقنية" أو "Technology" فغالباً ما يتبادر لذهنك أن المتحدث يقصد الحاسوب والهواتف النقالة وغيرها من الأجهزة الحديثة، لكن التقنية معناها أوسع بكثير.
ما الفرق بين المزارع الأمريكي والمزارع الإفريقي؟ هناك فرق كبير بينهما والسبب يكمن في أشياء كثيرة من أهمها التقنيات والمعرفة.
المزارع الأمريكي لديه مساحات شاسعة مع ذلك لا يحتاج لإدارة هذه المساحات سوى عدد قليل من الأشخاص، هؤلاء وظيفتهم إدارة الأجهزة التي تقوم بإنجاز العمل المطلوب بسرعة وكفاءة، فهي تحرث الأرض وتزرعها وتحصد الثمار وتسقي المزروعات وتكافح الآفات والحشرات، كل هذه الآلات لا تحتاج إلى جهد عضلي بل إلى معرفة كيفية إدارتها واستغلالها.
أضف إلى ذلك المعرفة، المزارع الأمريكي يستطيع معرفة حالة الطقس المتوقعة، وتأتيه إنذارات مبكرة حول الطقس والحشرات والآفات، ويمكنه الحصول على بذور محسنة من خلال المختبرات، ويمكنه الوصول إلى قاعدة معرفة تحوي أساليب تحسين الإنتاج ومقاومة الآفات، كل هذا يجعل المزارع الأمريكي قادراً على إنتاج الكثير، فهو ينتج لكي يأكل ويبيع وأصبح المزارع الأمريكي قادراً على إحداث تأثير في السياسة من خلال استخدام القمح مثلاً كسلاح سياسي للضغط على الدول التي تحتاج هذا القمح.
أنظر إلى المزارع الإفريقي، أو حتى أي مزارع في دولة غير متقدمة، في الغالب لديه مساحة صغيرة من الأرض، وهذه المساحة تحتاج إلى جهود كبيرة لحرثها وزرعها وجني الثمار لأن كل شيء ينجز بالجهد اليدوي، فالحراثة تنجز باستخدام الحيوانات كالخيول والثيران، الزراعة وجني الثمار كلها تحتاج لجهود عدة أفراد.
المزارع الإفريقي لا يملك نفس المقدار من المعرفة التي يملكها المزارع الأمريكي، فلا وسائل اتصال سريعة ولا إنترنت ولا كتب ولا مختبرات، لذلك سيبقى هذا المزارع ينتج القليل لكي يأكل وإذا كان محظوظاً سيبيع القليل ليحصل على شيء من المال، لا أقول هنا أن المزارع الإفريقي لا يريد الحصول على التقنيات والمعرفة، لكنه لا يستطيع لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة.
التقنية هي أي أداة تساعدنا على إنجاز العمل بشكل أسرع وأكثر كفاءة، هذا أحد التعاريف، فمثلاً في الماضي كان الناس يستخدمون الجلود والعظام وجدران الكهوف لتدوين قصصهم والمعلومات، ثم جاء الورق والقلم، ثم الآلات الكاتبة ثم الحاسوب، كل أداة كانت أكثر كفاءة من سابقتها وكل واحدة لها إيجابيات وسلبيات، فالبعض لا زال اليوم يصر على أن الورق والقلم أكثر كفاءة من الحاسوب لأن الحاسوب معرض لمشاكل قد تحذف كل شيء تدونه فيه.
التقنيات والمعرفة تصنع فارقاً كبيراً في الإنتاجية، ولها أيضاً آثار جانبية بعضها خطير، وهي تثير أسئلة مهمة، فلماذا ننتج؟ وإلى حد نحن بحاجة إلى الإنتاج؟ وكم سنستهلك؟ وهل نستطيع أن نعتمد على ما ينتجه الآخرون؟
هذه الأسئلة قد تقودك إلى قضايا سياسية واقتصادية وقضايا مختلفة متعلقة بالبيئة والناس، لذلك لا تستهن بالتقنيات، نعم قد يكون أمراً بسيطاً لك عندما يخبرك شخص ما عن جزيرة نائية استطاعت أخيراً أن تتصل بالإنترنت من خلال خط هاتفي، لكن هذا الخط البطيئ هو أول خطوة نحو عالم كبير يمكنه أن يغير أشياء كثيرة في الجزيرة.