إذا كان لديك حاسوب مكتبي ولم يسبق لك أن شاهدت داخل الجهاز ففعل ذلك مرة واحدة، قم بفتح غطاء الجهاز وانظر إلى قطعه، قد تشعر بالحيرة إن لم تكن تعرف شيئاً عن قطع الحاسوب، لكن بقليل من الجهد يمكنك أن تميز القطع وتعرف أسماءها وبقليل من التدرب يمكنك أن تستبدل القطع وتقوم بترقية جهازك.
في الحاسوب سترى لوحة عليها كل القطع، في أحد جوانب هذه اللوحة هناك منافذ للملحقات الإضافية، في الماضي كانت هذه المنافذ مهمة لأن الحواسيب لم تكن توفر المواصفات التي نجدها اليوم، فإذا أردت منفذاً للشبكة فيجب عليك أن تشتري بطاقة خاصة لذلك، وإذا أردت أن تستمع للملفات الصوتية فيجب عليك أن تشتري بطاقة صوتية وتركبها في أحد المنافذ، اليوم اللوحات الرئيسية تأتي بكل الخصائص التي يحتاجها المستخدم فلا يحتاج إلى إضافة أية ملحقات.
الآن تصور أن اللوحة الرئيسية لا تحوي شيئاً سوى منافذ إضافة الملحقات، هل تستطيع تخيل ذلك؟ لكي تقوم بإنشاء حاسوب عليك شراء كل شيء على شكل ملحقات، المعالج والذاكرة في بطاقة، لكي تستمع للملفات الصوتية عليك أن تركب بطاقة صوتية، ولا بد من بطاقة منفصلة للشاشة، وهكذا كل شيء منفصل عن الآخر، ما يميز هذا التصميم أنه لا يحتاج إلى أسلاك داخل الجهاز، هذا ما تعلمته مؤخراً عندما قرأت عن backplane، لماذا لا توجد في الأسواق لوحات رئيسية بهذا الشكل يمكن للناس اقتناءها؟
قصة S-100
في عام 1975م وزعت مجلة Popular Electronics عدد يناير في الأسواق وعلى الغلاف صورة حاسوب ألتير 8800 وهو الموضوع الرئيسي لهذا العدد، البعض يعتبر هذا العدد من هذه المجلة هو بداية عصر الحاسوب الشخصي، لأن ألتير كان أول حاسوب شخصي ينتج بكميات كبيرة وحظي بترحيب شديد الحماس من هواة الحاسوب الذين كانوا يتوقون لشراء واحد، بعضهم ترك كل شيء وسافر إلى مقر شركة MITS في ولاية نيومكسيكو وجلس في سيارته أمام مقر الشركة ينتظر حاسوبه.
في نادي Homebrew Computer كان وصول حاسوب ألتير حدثاً لا ينسى، الكل متحمس لرؤية الجهاز واستخدامه، ولم يكن الجهاز يفعل شيئاً! فمثلاً لا يمكن وصله بشاشة ولا لوحة مفاتيح، وسيلة إدخال المعلومات هي مفاتيح في واجهة الجهاز، فإذا أردت أن تدخل عملية حسابية بسيطة فيجب أن تقلب هذه المفاتيح عشرات المرات لكي تحصل على النتيجة وهي عبارة عن مصباح صغير أحمر!
في إحدى اجتماعات النادي كان أحد الأعضاء يتعبث بالجهاز، ثم قام بوصله بمذياع وبدأ الجهاز في بث الموسيقى، وقف الجميع يصفقون بحماس لهذا الحدث العظيم! أخيراً ألتير يمكنه فعل شيء!
كان الحاسوب يباع عن طريق البريد على شكل قطع وعلى المشتري تركيبها، أو يمكنه شراءه جاهزاً لكن بتكلفة أعلى، مواصفات الجهاز كانت بسيطة:
- المعالج: إنتل 8080 بسرعة 2 ميغاهيرتز.
- الذاكرة: 256 بايت، ليس كيلوبايت بل بايت فقط!
- لا يأتي مع لوحة مفاتيح، ولا نظام تشغيل ولا لغة برمجة ولا أي شيء تقريباً.
إيد روبرتس مؤسس MITS هو من صمم الجهاز وقد صممه بحيث يمكن إضافة العديد من الملحقات للحاسوب بعد شراءه، اللوحة الرئيسية عبارة عن لوحة خالية لا تحوي سوى منافذ يمكن وضع بطاقات فيها، هذه المنافذ كانت تسمى في البداية Altair Bus ومع ظهور شركات أخرى بدأ الناس يسمونه S-100 وهذا ما كان يضايق إيد.
كان تصميم S-100 بسيطاً مما مكن العديد من الأفراد والمحلات والشركات الصغيرة من تصميم ملحقات يمكن إضافتها لألتير 8800، وقد وفرت بساطة ألتير وخلوه من المواصفات فرصة للكثيرين لسد النقص، فبدأ البعض بتصميم بطاقة لوصل لوحة مفاتيح، أو لوصل شاشة، وبدأ شابان شركة صغيرة تسمى Micro-soft وكان أول منتج لهما هو نسخة من لغة البرمجة بيسك مصممة لتعمل على جهاز ألتير.
ظهرت أول شركة قامت بتقليد حاسوب ألتير وهي شركة IMASI بعد أشهر من الإعلان عن ألتير، وقد كانت الشركة تعمل في مجال الاستشارات من قبل ثم تحولت إلى تصنيع الحواسيب، قام مؤسس IMASI بتصميم حاسوب خاص لأنه لم يستطع الحصول على حاسوب من ألتير، لكنه قام بتصحيح بعض المشاكل التي يعاني منها ألتير ثم بدأ بإنتاج حاسوبه وبيعه.
بعد ذلك بدأت عشرات محلات الحاسوب والشركات بإنشاء حواسيب تعتمد على تصميم S-100، وكان البعض يصمم فقط البطاقات التي يمكن إضافتها لأي حاسوب يستخدم S-100، هكذا أصبح S-100 معياراً قياسياً لإنتاج الحواسيب منذ منتصف السبعينات وحتى أوائل الثمانينات، وبعض الشركات استمرت إلى أواخر الثمانينات، ولا زال البعض حتى اليوم يبيع الوثائق والكتب وحتى القطع لحواسيب S-100.
في البداية لم يكن هناك نظام تشغيل واحد لهذه الأجهزة، لكن سرعان ما أصبح نظام CP/M الذي برمجه غاري كيلدول هو النظام الأكثر استخداماً ولا زال البعض يستخدمه ويبرمج له حتى اليوم.
ما الذي يمكن لهذه الحواسيب البسيطة أن تقدمه؟ الكثير، فهناك من صمم سوبر كمبيوتر باستخدام لوحات S-100 والعديد من المعالجات.
إحدى أشهر الشركات المنتجة لحواسيب S-100 كانت Cromemco، وصل عدد موظفي كروميمكو في أوج تألقها إلى 500 موظف ودخل سنوي بلغ 55 مليون دولار.
كانت حواسيب هذه الشركة تستخدم لأغراض طبية، ولعرض صور توضيحية لأخبار الطقس على قنوات التلفاز وكان الجيش الأمريكي يستخدمها لأغراض مختلفة.
مع ظهور حاسوب آي بي أم ونظام دوس تراجع دور حواسيب S-100 ونظام CP/M، وانتهت حقبة كان المرء فيها يستطيع صنع حاسوبه الشخصي.