الاثنين، 10 مارس 2008

مدونات النور

قرأت اليوم في ملحق بيان الكتب عمود الأستاذ حسين درويش بعنوان مزيد من الظلام، والذي يتحدث فيه عن ثقافة التدوين وكيف أنها "عصية على الفهم العربي".

يقول الكاتب:

وإلى ذلك تقدم مواقع الإنترنت المتخصصة نصائح للمدونين، فالمدون يجب أن يكون ملماً بمعرفة علوم العربية، وإتقان اللغة العربية، وأن يهتم المدون بمعرفة الألفاظ معرفة دقيقة، ويستوعب دلالات أصواتها ومعانيها في الحياة، ويستوعب تنوعها، وفصاحتها، وحقيقتها، ومجازها، ودلالاتها الاصطلاحية، وعلى المدون أن يكون ذا معرفة بالألفاظ العربية ومعانيها معرفة دقيقة، وأن يجهد نفسه في الحصول على ثروة لفظية وكلماتية، من مصادرها الخاصة وهي المعاجم اللغوية، كما أن على المدون القراءة والمطالعة والاطلاع على كتابات الآخرين، فهي تساعده وتعينه على تكوين الثروة العربية واللفظية، ترى هل يتم التقيد بهذه القواعد؟

عندما كنت أقرأ هذه الفقرة ظننت أن الكاتب يمزح! لكن يبدو بقية مقالته تبين أنه جاد فعلاً فهو يتحدث عن "قواعد التدوين" التي يجب أن يلتزم بها كل مدون، المشكلة هنا أنه لا توجد قواعد للتدوين، لا توجد جهة واحدة أو شخص واحد يستطيع أن يفرض قواعد محددة للتدوين.

لا أخالف الكاتب في أن يطور المدون من نفسه ويتعلم قواعد اللغة، لا أخالفه في ضرورة الكتابة بالعربية الفصيحة، لا أخالفه أبداً في أهمية القراءة والمطالعة، المشكلة أن نجعل هذه الأشياء "قواعد يجب أن يلتزم بها الجميع" لأننا لا نستطيع فرضها ومن المفترض ألا نحاول فرضها على الآخرين، هذا فضاء مفتوح وكل شخص يحدد قواعده الخاصة، نحن لسنا في عالم تتحكم به جهة حكومية فتقبل هذا وترفض هذا، نحن في عالم يطرح الجميع فيه ما يريدون، وأنت عليك أن تختار ما تقرأ، وتقبل أن الواقع لن يكون بالصورة التي تريدها.

إن لم يعجبك شيء فلا تكتفي بكتابة عمود صحفي، قم بإنشاء مدونة وضع هذه القواعد موضع التطبيق وعلم الآخرين، كن قدوة لهم، اجتمع بهم وأخبرهم عن هذه القواعد، قم بإنشاء محاضرة وضعها في موقع YouTube ودع المدونين يشاهدونها، هكذا يكون الفعل ... هكذا يكون نقديم المزيد من النور.

ثم يقول الكاتب:

غالباً يجرى تجاهل لأبسط تلك القواعد ويتم التعامل مع المدونة من موقع الملكية الشخصية المطلقة يحق لصاحبها تجاوز القواعد على جميع المستويات، ليس أقلها اللغة، بل آلية البناء العامة للمواضيع والأفكار والتوجهات العقائدية والتي ينم معظمها عن حالة متوترة مشحونة تفرّغ على المدونة فتتحول من قيمة رأي إيجابية إلى قيمة سلبية قد تجر صاحبها إلى المساءلة!

صاحب المدونة بالفعل يملك مدونته! هذا أمر بديهي ويحق له تجاوز كل القواعد ... أمر بديهي آخر، يبدو أن "القواعد" هي المشكلة، فما يراه شخص ما قواعد يراه الآخر قيوداً، ثم ما يحدث في المدونات والمواقع هو انعكاس للواقع، المدونات مجرد وسائل للنشر والتواصل، وليست حلاً سحرياً تحول الواقع المظلم إلى حديقة جميلة.

واقعنا مشحون متوتر، واقعنا يقول لنا أن التعليم في بلداننا "زفت" وهذا أفضل كلمة مؤدبة يمكنني أن أستخدمها الآن، الواقع يقول لنا بأن بعض الحكومات تقهر المواطن وتزيده قهراً كل يوم، ثم تأتي أحداث سياسية كالتي نمر بها فتزيدنا قهراً فوق قهر، أضف إلى ذلك قلة ذات اليد، وقلة فرص العمل، وضع شيئاً من المشاريع الكبيرة التي تروج لها بعض الحكومات بينما سقوف منازل موطنيها تسقط عليهم، ثم زين كل هذا بالكلام المنمق الجميل الذي تنشره وسائل الإعلام الحكومية عن واقعنا الجميل، ماذا وجدت لديك؟!

من الطبيعي أن تكون المدونات وسيلة تفريغ، دعوا الناس يشكون وإلا سينفجرون.

المزيد من النور

لا أدري إن كان الكاتب مطلعاً على بعض المدونات المفيدة، مدونات يكتب أصحابها منذ وقت طويل ويقدمون الكثير لكنهم لا يجدون انتباهاً من وسائل الإعلام الأخرى، بينما المدونات المشاكسة والتعيسة تجد حظها من التغطية وتصبح مثالاً على "الجيل الضائع" ويبدأ البعض بالترحم على عصر "الكتّاب الكبار" حين كانت أسماء معروفة تكتب في الصحف.

لا يهمني كل هذا، سيبقى المدونون يكتبون ويساهمون وسيبقى البعض يمارس هواية إرسال اللعنات إلى الظلام أو في الظلام.

يشرفني أن أقدم لكم مدونات النور:

هذه مجرد أمثلة وفي كل بلد عربي هناك أمثلة لمدونات النور، لماذا أذكر دول أصحاب المدونات؟ فقط لأبين أننا جميعاً نكون مجتمعاً إلكترونياً على بعد المسافات بيننا، الحدود الجغرافية والاختلافات لم تمنعنا من التواصل ومحاولة فعل شيء إيجابي بدلاً من إرسال اللعنات إلى الظلام، نعم نحن نشكو في بعض الأحيان وبعضنا يشكو طوال الوقت، لكننا نحاول أيضاً أن نفعل شيئاً.

من يتجاهل هذه المدونات وغيرها ويرى الواقع بعين واحدة فهو لا يرى إلا نصف الحقيقة أو أقل.