الثلاثاء، 3 يونيو 2008

قرية الجبل العظيم

ركض عبد الإله نحو المظلة الكبيرة التي اجتمع تحتها أهل قريته وهو يحمل معه ما يستطيع من طعام ودواء، كان آخر الواصلين إلى المظلة الكبيرة، في قرية الجبل العظيم كما يسمونها هناك مشكلتان، الأولى هي المطر الذي يزورهم كل يوم فيكون زائراً لطيفاً، لكنه في موسم الصيف يصبح ثقيل الظل، المشكلة الثانية نساها أهل القرية لأن الجبل العظيم لم يثر منذ ما يزيد عن مئتي عام.

لم يكن أهل القرية يعلمون أن غضب البركان سينفجر مع وصول موسم الفيضانات.

أهل القرية يبنون مظلتهم كل موسم في مكان يشرف على الوادي ويقيهم الغرق وخطر الانزلاقات الطينية، وتحت مظلتهم الكبيرة يجمعون طعامهم فيشاركون بعضهم البعض في المأوى والمأكل والدواء حتى يزول الخطر.

وصل عبد الإله إلى المظلة لاهثاً وهو يصرخ "الجبل ... الجبل" توقف تحت المظلة يلتقط أنفاسه ودار حوله أهل القرية كل ينظر إلى الآخر متسائلا ما بال عبد الإله؟! لم يعتد أهل القرية على هذا السلوك منه فهو المعروف بينهم بالهدوء، وهو أكثرهم تعليماً فقد التحق بالمدرسة حتى الصف السادس وهذا إنجاز نادر لأي شخص في قرية الجبل العظيم.

أشار عبد الإله إلى الجبل العظيم وهو يلهث "الجبل ... أنظروا إلى الجبل!" فلم يزدهم هذا إلا استغراباً، صرخ أحدهم "أصابته عين" فأضاف آخر "أو سحر،" تمالك عبد الإله نفسه "قبل أن أنزل من القرية ألقيت نظرة على قمة الجبل، الدخان يزداد كثافة!" وأنهى جملته الأخيرة بصوت منخفض.

لم يقل أحدهم شيئاً، كأنهم يعيشون في فيلم صامت، أدرك عبد الإله أن عليه توضيح المزيد "الجبل سيثور!" لم يحرك هذا الخبر فيهم أي شعرة، لم تكن فكرة ثوران الجبل معقولة، فقد عاشوا في امان وأصبحت قصة الجبل أسطورة.

انفض الجمع من حوله ومضى كل شخص لشيء يقضي وقته فيه، بعضهم يلعب بكرة مصنوعة من القماش المحشو بالتراب، الأطفال يركضون في كل مكان وكبار السن علقوا الأسرة وتسلقوها بحثاً عن النوم، عبد الإله ينظر لهم غير مصدق، فهو يعرف ما حدث في الماضي.

كان الجبل العظيم مكاناً رائعاً كما أخبره كبار القرية، كانت هناك أكثر من عشرين قرية تحيط بالجبل، كان هناك سوق كبير تأتيه البضائع من كل مكان، بعد ثورة الجبل لم يتبقى من هذا كله سوى قرية الجبل العظيم وبعض البيوت المتفرقة على الجبال الأخرى.

لكن سكانها لا هم لهم سوى المطر وما سيفعلونه بعد الموسم، حاول عبد الإله إقناعهم لكي يشدوا الرحال نحو البحر ويبحروا نحو جزيرة بعيدة، لم يكن رجال قرية الجبل العظيم مهتمين بهذا كله، فما يريدونه هو العودة إلى حقولهم ومنازلهم والعمل على كسب الرزق وإطعام الأسرة.

يصرخ عبد الإله في وجه أحدهم "ألا تريد حماية عائلتك؟" فيرد عليه "نحن في أمان وخير، أرضنا خصبة والمزارع منتجة، لينتهي الموسم فقط!" يكاد الغضب والقلق يفتك بعبد الإله يحدث آخراً فيرد عليه "ما الذي تريده أكثر مما نحن فيه؟ انتظر نهاية الموسم ولا تستعجل!" ذهب إلى كبير القرية الذي لم يكن يكثر الكلام "أرى الخوف في عينيك يا عبد الإله، لا فائدة من حديثك معهم، انجوا بنفسك، أما أنا فأريد أن أموت معهم" لم يصدق عبد الإله ما يسمعه.

يأس عبد الإله منهم، فخرج من تحت المظلة وانطلق نحو البحر، عند الشاطئ ألقى نظرة طويلة على القوارب المصطفة، الرغبات تتنازعه، الوقت يمضي دون اتخاذ أي قرار.

اهتزت الأرض من تحته، سقط ولم يعد قادراً على الوقوف، انفجار هائل، حجارة تسقط في كل مكان، بعض القوارب تغرق، صراخ وعويل يأتي من ناحية المظلة، حريق هائل، ركض عبد الإله عائداً، لم يستطع تحمل ما شاهده.

لم يستطع البكاء، لم يفعل أي شيء وقف ينظر إلى الحريق والمحترقين ويسمع صرخات هنا وهناك، انطلق يركض نحو الجبل العظيم بين الدخان الخانق والنار وبدأ في الصراخ مخاطباً الجبل العظيم كالمجانين: عظيم أنت أيه الجبل ... عظيم أنت!