الاثنين، 15 نوفمبر 2004

قل لا للتعقيد

خرجت مع أحد الأصدقاء بالأمس وفي ساعة متأخرة من الليل إلى الكورنيش وجلسنا لمدة ساعتين تقريباً نتحدث عن أمور كثيرة، وكانت جلسة ممتعة حقاً لأننا كنت نتحدث عن مواضيع نهتم بها كثيراً وأقرأ عنها كثيراً وكذلك صديقي يهتم بها، تحدثنا عن تصميم الأجهزة والبرامج وكيف أن شركة أبل أبدعت في تصميم جهاز iMac وجهاز iPod ولماذا شركة أبل مختلفة عن بقية الشركات، ولماذا نجحت أبل في حين أخفقت بقية الشركات.

شخصياً قرأت كثيراً عن شركة أبل، سواء من الناحية التقنية أو الإدارية، وأعتقد أن أي شخص سيجد فائدة من دراسة الشركات وكيف نجحت ولماذا أخفقت، وهناك الكثير من الكتب الإدارية التي درست الشركات وحللت أسباب النجاح والفشل وأنصح أي شخص بقراءتها، لأنها كتب ممتعة ومفيدة، على أي حال ذكرت لصديقي أن شركة أبل تهتم بأمرين: الأول توظيف أفضل الناس لكي يعملوا في أبل، ولدى أبل الآن كفاءات كثيرة جعلت شركة أبل الآن من أنجح الشركات التقنية وأكثرها تقدماً، فأرباح أبل حالياً عالية وأسهمها كذلك مرتفعة، ومحلات أبل تزداد وتنتشر في الولايات المتحدة واليابان وقريباً في بريطانيا، وجهاز iPod يستحوذ على أكثر من 60% من سوق مشغلات MP3.

الأمر الثاني الذي تهتم به أبل هو الإبداع والتميز، وذكرت أن الشركة تتيح الحرية الكاملة لموظفيها لكي يبدعوا ويخرجوا بالأفكار الجديدة، لكن عندما تعرض هذه الأفكار على المدراء فإن الكثير منها يرفض! بالطبع هذا تناقض عجيب، لكن شركة أبل لا تريد أن تخرج عن الأهداف المرسومة، فهي تختار أفضل الأفكار لتحقيق الأهداف لكنها لا تبالي في رفض أي فكرة تخرج الشركة عن مسارها المرسوم مهما كانت هذه الفكرة رائعة.

ولنضرب مثلاً على ذلك، عندما خرج جهاز iPod لأول مرة في عام 2001م توقع الكثير من الناس أنه سيفشل، لأن المنافسين لديهم منتجات تحوي كذا وكذا من الخصائص التي لا يملكها iPod وأثبتت السنوات اللاحقة عدم صحة هذه التوقعات، شركة أبل فكرت في إضافة أهم الخصائص التي سيستخدمها 98% من الناس الذين يشترون منتجاتها وهي خصائص قليلة وصممت الجهاز بشكل جميل وبسيط، ووضعت له واجهة سهلة الاستخدام، بينما المنافسون لا زالوا حتى اليوم يضيفون الكثير من الخصائص التي لا يستخدمها إلا القليل من الناس، فهم أنتجوا مشغلات MP3 تلتقط البث الإذاعي، ويمكن أن تحفظ ملفاتك فيها، وبعضها يشغل ملفات الفيديو، ويمكن أن تسجل الملاحظات الصوتية في بعضها، ولا زالت تصاميمها فقيرة مقارنة مع جهاز أبل، وبعضها صعب الاستخدام بسبب واجهة نظام التشغيل المستخدم فيها.

ليس المهم أن تضع في منتجاتك خصائص جديدة لأنك قادر على فعل ذلك، بل أن تضع هذه الخصائص متى ما كانت ضرورية جداً وما عدى ذلك فيجب ألا يضاف، هذه القاعدة لو طبقناها على الكثير من مواقعنا لأرحنا أنفسنا، لو طبقناها على حياتنا وعلى مشاريعنا وشركاتنا لجعلنا حياتنا بسيطة وشبه خالية من التعقيد، إسأل نفسك دائماً: هل هو ضروري؟ هل من الضروري أن أغير حاسوبي هذا وأشتري حاسوباً جديداً؟ هل من الضروري أن أضيف هذا القسم أو هذه الخدمة إلى موقعي؟ هل من الضروري أن أضع هذه الخصائص في هذا المنتج؟ لنسأل أنفسنا قبل أن نقوم بأي شيء، ولنجب على أنفسنا بصدق.

الكثير من نجاحات شركة أبل لم تأتي من التفوق التقني أو كثرة الخصائص في منتجاتها، بل من البساطة والإبداع والتميز، وبالطبع عانت أبل من إخفاقات كثيرة، فقد كان من الممكن أن تصبح أبل في وضع شركة مايكروسوفت اليوم لو أنها أتاحت نظام تشغيلها للآخرين، لكنها كانت تنظر لنفسها على أنها منتج أجهزة وليس أنظمة تشغيل، أما الإخفاق الثاني فهو جهاز نيوتن الكفي، ذلك الجهاز المتفوق في خصائصه الكثيرة، فشل لأنه ضخم لا يمكن أن تضعه في جيبك، سعره مرتفع ولم تكن غايته واضحة، فقد طرحته أبل كحاسوب شخصي بديل للحواسيب الأخرى، لكنها فشلت في تسويق هذا المنتج وعندما جاء ستيف جوبز الرئيس الحالي لشركة أبل أوقف تصنيع وتسويق هذا الجهاز وهو لا يزال يفتخر بهذا القرار، ولا ننسى أن أبل كانت في وضع مالي سيء جداً أواسط التسعينات من القرن الماضي.

روابط لها علاقة بالموضوع: