السبت، 18 فبراير 2006

تقنية المكفوفين باختصار

ملاحظة: هذه مقالة كتبها الأخ علي العمري، أحد زوار هذه المدونة، بناء على طلب مني لأنني أرى أن يكتب ذوو الاحتياجات الخاصة عن احتياجاتهم وعن كيفية تعاملهم مع التقنية، مع الحواسيب والمواقع، لكي يعي بعض مطوري المواقع والبرامج إلى أهمية أن تكون مواقعهم وبرامجهم متوافقة مع احتياجات فئة مهمة في مجتمعاتنا.

علي العمري في سطور:

علي العُمَري شاب عربي كفيف البصر حصل على درجة البكلريوس التربوية من جامعة الملك سعود ويعمل حاليا مدرسا.

دخل عالم التكنلوجيا قبل ثلاث سنوات بعد أن دفع ما يقارب السبعة آلاف دولار للحصول على تكنلوجيا خاصة تمكنه من استخدام الحاسوب وبالتالي إشباع رغباته المتأججة في الثقافة والتواصل.

دخل ذلك الخضم وكان عليه أن يعلم نفسه بنفسه في ضوء عدم توفر الدورات وغياب الدعم من جهة وانشغال الآخرين عن الإجابة على أسئلته الساذجة أو عجزهم عن ذلك نظرا للطبيعة المعقدة للبرنامج الذي يستخدمه من جهة أخرى، قرأ كثيرا وسهر ليالي طوالا فقط ليتمكن من عمل هذا التطبيق أو ذاك، وهو الآن على أولى درجات السلم يثقل كاهليه طموح كبير أكبر بكثير من إمكانات برنامجه المتواضع بل وحتى من إمكاناته الشخصية المحدودة، والتي يزيد من محدوديتها جهله باللغة الإنكليزية ذلك الحلم الكبير الذي يسكنه ويأرقه ويشعره بالمرارة لعلمه بمدى الأبواب التي يمكن أن تفتح له إن هو أتقن هذه اللغة على الصعيدين الثقافي والتكنلوجي.

المقال:

ربما كان من النافع جدا أن يستهل المرء الكتابة في مثل هذا الموضوع برصد موجز لسير تطور وسائل التعليم وتقنيات الاتصال الخاصة بالمكفوفين عبر العصور التاريخية المتلاحقة؛ إلا أنني هنا سأختصر الأمر علي وعلى القارئ العزيز بوضع الرابط التالي والذي يقدم العديد من المعلومات المفيدة بهذا الشأن.

والآن لندخل في صلب الموضوع مباشرة.

مع غروب شمس القرن العشرين كانت شمس أخرى تهُّمُ بالشروق، إنها شمس الأمل التي غمرت قلوب عشرات الملايين من المكفوفين وضعاف البصر عبر العالم الفسيح، حيث استطاعت العديد من الشركات بالتعاون مع بعض الجهات المختصة تطوير تقنية خاصة تمكن الكفيف من التواصل مع برامج الحاسوب وتطبيقاتها المختلفة والإفادة منها في العمل والجوانب الحياتية الأخرى.

صحيح أن الكثير من العقبات كانت تعترض المطورين والمبرمجين، منها ما تمكنوا من تجاوزه ومنها ما تجاوزه الزمن بطرح تقنيات أفضل وأما ما تبقى من تلك العقبات فما زال يتهشم يوما بعد يوم تحت مطارق العزيمة والإصرار.

وفي داخل هذه المنظومة التكنلوجية الخاصة -سواء منها المطور أو المخترع- يمكننا أن نمايز بين أربعة أنواع رئيسية:

الأجهزة والبرامج البحتة

وهي سلاسل من المخترعات المتباينة شكلا وتقنية، يمكننا تشبيهها -لتقريب الصورة- بالمفكرات الإلكترونية ، فهي تتمتع بذاكرة لا بأس بها يمكن توسيعها عن طريق استخدام كروت تخزين خاصة ومتوفرة، هذا بالإضافة إلى احتوائها على كثير من الخدمات الأخرى، كالحاسبة والساعة والتاريخ ومقياس الطقس وخدمة ماجلان وغيرها، وفي حال وصل بعض أنواعها بأجهزة الحاسوب العادية تتحول إلى شاشات عرض تظهر عليها الكتابة بطريقة برايل، وهي بالإضافة إلى هذا وذاك صغيرة الحجم خفيفة الوزن يمكن للكفيف أخذها معه إلى قاعات الدرس ومكاتب العمل أو حتى إلى المسجد لقراءة القرآن الكريم.

البرامج الوسيطة

وهي برامج مساعدة يستخدمها الكفيف كآلية تمكنه من التواصل مع أنظمة وبرامج الحاسوب الأخرى كنظام التشغيل ويندوز، حيث يقوم الكفيف بتنصيب أحد هذه البرامج على جهازه الخاص، ومن ثم يعمل هذا البرنامج على أخذ البيانات المرسلة إلى كرت الشاشة ومعالجتها ليتم إخراجها على الفور في شكل رموز برايل تظهر على شاشة عرض خاصة إو إلى مادة صوتية يتم بثها عبر السماعات الملحقة بالحاسوب؛ والكفيف مخير في استخدام الخدمتين معا أو الاكتفاء بأدئهما حسب الرغبة والإمكانات، فليس كل كفيف قادر على شراء شاشة العرض الخاصة باهضة الثمن، الأمر الذي يجعل التقنية الصوتية هي التقنية الأكثر شيوعا وإن كانت الأقل جودة لا سيما في ما يتعلق باللغة العربية، لهذا نجد أن بعض مطوري البرامج ومنتجيها قصروا اهتمامهم على إنتاج برامج صوتية بحتة إلا أن الغالبية العظمى يسعون إلى تطوير التقنيتين معا.

غير أنه لا ينبغي الاعتقاد بأن وظيفة هذه البرامج مقصورة على مجرد إخراج البيانات فقط، فالأمر يتجاوز ذلك إلى إيجاد منظومة من التطبيقات المتكاملة تعين الكفيف على:
  • الحصول على معلومات وصفية عن موجودات الشاشة كلون العنصر وترتيبه بين العناصر الأخرى.
  • القدرة على تعريف الصور والأزرار المختلفة بحيث يستوعبها البرنامج ويعيد إخراجها في المرة القادمة في شكل نصوص كما هو الحال بالنسبة لزر ابدأ، وكما هو الحال مع الصور والشعارات.
  • استخدام نظام بديل ومطابق لنظام الفأرة بحيث يتيح الإفادة من هذه الخدمة لنقل المؤشر أو لالقيام بخاصية كخاصية السحب والإفلات أو للتعامل مع البرامج والتطبيقات التي لا يمكن التعامل معها عبر لوحة المفاتيح.
  • التعامل مع متصفح الإنرنت، ولهذه الغاية أوجدت الكثير من التطبيقات المساعدة على ذلك، كتلك التي تقوم بفصل وتنظيم الأعمدة والإطارات، وتسهل طرق التعامل مع صناديق الاختيار والتصويت وما إليها، فضلا عن تيسير ما يتعلق بالتعامل مع الروابط المختلفة من ترقيم وتنقل وبحث.
  • الوصل السريع إلى مختلف الأوامر عن طريق منظومة من الاختصارات الافتراضية يمكن للكفيف الإضافة عليها والتعديل فيها بحسب الغربة.
  • التحكم بتطبيقات البرنامج المختلفة عن طريق الدخول إلى قوائم الإعدادات الخاصة به.

البرامج والأجهزة الخدماتية والترفيهية:

وهي مجموعة من البرامج القارئة لشاشات الجوال، وبرامج الألعاب الترفيهية الخاصة بالمكفوفين، وكذلك برامج وأجهزة أخرى متقدمة في تحرير الصوت وقراءته وقراءة الكتب الرقمية والتعامل معها كذلك.

شاشات العرض

وهي أجهزة متفاوتة الأحجام والأسعار والإمكانات، تستخدم كشاشات عرض تظهر عليها الرموز الخاصة ببرايل.
وبوجه عام يمكننا تقسيم هذه الشاشات الخاصة إلى شكلين:

  • الأشرطة الإلكترونية، ومهمتها مقصورة على مجرد إظهار الرموز كما أنها مزودة ببعض المفتاتيح الخاصة.
  • الأجهزة المساعدة، وقد سبق أن ذكرناها عند حديثنا عن النوع الأول.
وأخيرا فإن المكفوفين الذين يشكرون -بعد الله- تلك النخبة الإنسانية المتميزة من المبرمجين والمطورين الذين نقلوهم بحق من أمس مظلم كان الكفيف يعيش فيه الأمية التقنية وعدم الاستقلال إلى حاضر مشرق صار فيه بإمكانه التواصل مع المستجدات الحضارية والإفادة من الثورة المعلوماتية والتقنية والتحرر من رقابة الآخر والحاجة إليه في كل صغيرة وكبيرة من شؤونه المعرفية والحياتية عامة؛ ليأملون أيضا من مطوري البرامج والمواقع أن ينظرو إليهم بعين الاعتبار، فيبتعدو عن الاكتفاء بالصور التعريفية عن الكتابة النصية للأزرار والحقول وغيرها، كما أن عليهم إنتاج إبداعاتهم من البرامج الخدماتية وبرامج إدارة المواقع والمحتويات وغيرها حسب المقاييس العالمية الموحدة، إذ مهما بلغ ذكاء مطور برامج المكفوفين ومهما بلغ مقدار تقدم البرنامج الوسيط فإنه ما لم تتظافر الجهود ولو في حد أدنى فستظل المشكلة قائمة، وخذ على سبيل التوضيح مسألة وجود كود على شكل صورة يجب تعبئته لإتمام عملية التسجيل في بعض المواقع، هذا الكود متغير أولا، وصوري لا يمكن للبرنامج إلا أن يتعامل معه كصورة ثانيا، وعليه فكيف يمكن لمطور برامج المكفوفين التعامل مع مثل هذا الأمر المتغير على الدوام؟

وكذلك هو الحال مع كثير من البرامج الخدماتية والعلمية، فهل من الواجب على مطور البرنامج أن يترك عمله وينشغل بوضع سكربت خاص بالمكتبة الحديثية وآخر معني بالموسوعة الشعرية وثالث متعلق بهذا المعجم أو ذاك وهكذا؟ أليس من الأولى أن يقوم مطورو هذه الشركات بمد يد العون إلى هذه الشريحة من المجتمع؟

صحيح أن معظم برامج المكفوفين تتيح خدمة تعريف الصور والأزرار إلا أن الحماية الخاصة بتلك التطبيقات من جهة، وكذلك عدم وجود شخص له خبرة يستطيع مساعدة الكفيف متى شاء من جهة أخرى، كلها عوامل تجعل الإفادة من تلك الخدمة محدودة الفائدة.

آمل أن أكون قد قدمت ما يستحق أن يقرأ، وعلى من يريد الاستزادة مراجعة الروابط التالية:وللجميع تحياتي،
علي العمري