الاثنين، 27 مارس 2006

أنظمة لا نعرف عنها شيئاً

ما هو نظام التشغيل الأكثر انتشاراً حول العالم؟ لا ... أقول لك: الأكثر انتشاراً وليس الأكثر شهرة، نعم ويندوز الأكثر شهرة لأنه يأتي مع معظم الحواسيب، لكنه ليس الأكثر انتشاراً، فكر جيداً، ولا تحصر تفكيرك في الحواسيب، فأنظمة التشغيل تعمل على أجهزة كثيرة.

سأعطيك بعض التلميحات، هذا النظام ليس لينكس، وليس من إنتاج شركة أبل أو مايكروسوفت أو IBM، في الحقيقة هذا النظام لم تنتجه شركة أمريكية، ولا أوروبية، ألم تعرف النظام بعد؟ حسناً هذا النظام أنتج في اليابان، وهو في الحقيقة ليس نظام تشغيل واحد، بل مواصفات قياسية لأنظمة تشغيل يمكنها أن تتعامل مع بعضها البعض بدون أي صعوبة، على أساس هذه المواصفات يمكن لأي شركة أن تقوم بإنتاج نظام تشغيلها، ليس بالضرورة أن يكون النظام حراً لكن يجب أن يعتمد على المواصفات القياسية التي وضعت وهي مواصفات مفتوحة للجميع.

يبدو أنك لم تعرف النظام بعد! لا بأس، إليك هذه القصة: في الثامن من ديسمبر من عام 1988م اجتمع بعض المهندسين في قاعة صغيرة في فندق ياباني ليرو نظام تشغيل جديد يعمل على حاسوب شخصي، الحاسوب صناعة يابانية، يعمل بمعالج 286 من إنتل وسرعته 8 ميغاهيرتز ويحوي ذاكرة بحجم 2 ميغابايت، هذه المواصفات لا تقدم الكثير للمستخدم، فقد كانت أنظمة التشغيل في ذلك الوقت تعمل بأربعة ألوان وتحوي واجهة نصية مثل دوس.

لكن نظام التشغيل الياباني كان يعمل بهذه المواصفات ويحوي واجهة رسومية ويستطيع تشغيل الفيديو أيضاً! كان النظام يحوي أفكاراً تشبه طريقة عمل شبكة الويب التي لم تظهر إلا في عام 1991م، ويقدم دعماً أفضل للغات الآسيوية ولحروفها الكثيرة.

قررت ماتسوشيتا الشركة المنتجة لنظام التشغيل والتي أيضاً تصنع وتجمع الحواسيب بأن تسوق الحاسوب في اليابان وأمريكا بإسم PanaCAL ET وقامت بوضع نظامي تشغيل فيه، الأول هو دوس والثاني هو نظام التشغيل الياباني الذي أعتقد أنك حتى الآن لم تعرفه، لكن الحكومة الأمريكية جعلت هذا الحاسوب التعليمي ضحية لمسرحية سياسة ومنعت دخوله للأسواق الأمريكية لكي لا ينافس أنظمة التشغيل هناك والتي لم تصل بعد إلى مستوى هذا النظام.

سأعطيك آخر معلومة قبل أن أكتب اسم النظام: ربما قد تعاملت معه وأنت لا تدري، فهو نظام يعمل في أجهزة التلفاز والفيديو والغسالات وأجهزة الميكروويف والسيارات وفي المصانع ومختلف الإلكترونيات.

من يعرف نظام تشغيل يسمى TRON؟ سيدهشني أن يكون هناك شخص يعرف النظام، على أي حال، TRON ليس نظام تشغيل بل مواصفات قياسية لأنظمة تشغيل.

مواصفات موحدة لأنظمة تشغيل مختلفة

في عام 1984 أطلق مشروع ترون، اسم النظام بالإنجليزية هو اختصار The Real-time Operating System Nucleus، المسؤول عن المشروع وصاحب فكرته هو الدكتور كين ساكامورا أستاذ علوم المعلومات في جامعة طوكيو - ألا يريد أحدكم أن يدرس في هذه الجامعة بدلاً من جامعات الغرب؟ -، الهدف من المشروع هو إنشاء منصة حاسوب وشبكات تلبي كل احتياجات المجتمع.

ترون ليس نظام تشغيل، بل مواصفات لأنظمة تشغيل، يمكن لأي شركة أن تبني نظم تشغيل على أساس هذه المواصفات، وكما قلت سابقاً، ليس بالضرورة أن يكون النظام حراً ومفتوحاً للجميع، المهم أن يعتمد على هذه المواصفات لكي يستطيع التعامل مع الأجهزة الأخرى بدون أي صعوبات.

مواصفات أنظمة ترون

  • آي ترون: هذه المواصفات موجهة لأجهزة الإلكترونيات والسيارات وهي المواصفات الأكثر شهرة.
  • بي ترون: مواصفات خاصة بالحواسيب الشخصية والحواسيب الكفية.
  • سي ترون: مواصفات لأجهزة الشبكات.
  • أم ترون: مواصفات للربط بين الأجهزة وإدارتها.
  • ترون VLSI: مواصفات لتصنيع المعالجات.

تطبيقات لمواصفات ترون

في عام 1989م طور منزل ذكي باستخدام مواصفات ترون، المنزل يحوي 380 حاسوباً تعمل بهذه المواصفات، بالطبع الرقم كبير لكن لا تتخيل الحواسيب هنا صناديق ضخمة مع شاشات مربعة، بل حواسيب صغيرة لا يراها الإنسان تختبأ في الجدران.

تويوتا قامت عام 2004م بإنشاء منزل ذكي يسمى بابي، أحد الأفكار التي أعجبتني في هذا المنزل أنه يستطيع الاعتماد على الكهرباء التي تنتجها سيارة تويوتا بريوس لمدة 36 ساعة.

إقرأ المزيد:

هناك الكثير من التطبيقات الأخرى وهناك من يستخدم النظام في حاسوبه الشخصي، المشكلة هنا أن الكثير من الوثائق والمعلومات المنشورة في شبكة الويب كتبت باليابانية والقليل منها كتب بالإنجليزية، وهذه روابط لبعضها:

ما بعد ترون

بعد أن أطلعت على هذا المشروع وقرأت الكثير عنه بدأت أدرك أنني كنت في الماضي أركز كثيراً على أنظمة التشغيل والتقنيات التي أنتجها الغرب، في حين أن الشرق أنتج أيضاً الكثير من التقنيات التي لا أعرف عنها شيئاً، بالطبع عائق اللغة أحد أسباب هذا الجهل، لكن هذا ليس عذراً بالنسبة لي، لأن الوثائق المتوفرة في شبكة الويب تكفي لكي يعرف المرء أن هناك تقنيات أخرى ظهرت في الشرق.

النقطة الثانية التي انتبهت لها هي أن اليابانيين قاموا بإنشاء منصة حاسوب متكاملة لكي تتناسب مع احتياجاتهم، لأنهم يتحدثون بلغة مختلفة وبالتالي ثقافتهم مختلفة، من الصعب أن يستخدموا أدوات صممت للغرب ثم ترجمت لهم، لأنها مصممة للغرب فهي تتناسب مع احتياجات الغرب، في نفس الوقت لم يقطعوا الصلة بينهم وبين الغرب، فهناك مواصفات قياسية متفق عليها لتبادل البيانات ونشرها، يمكن لأي شخص أن يتصفح الشبكة ويستفيد من محتوياتها، لا يهم ما هو نظام تشغيله أو المتصفح الذي يستخدمه، بالتالي: لماذا لا يقوم المرء بإنشاء أدوات تناسبه بدلاً من الاعتماد الكلي على الأدوات التي ينتجها الآخرون؟

النقطة الثالثة: بعض المواصفات القياسية مثل اليونيكود بحاجة إلى إعادة نظر، أعلم أن هذا أمر سيستغربه بعضكم، لكنني لم أفكر من قبل في سلبيات هذه المواصفات وكيف فرضت على العالم، ولا أعني بإعادة النظر هنا أن نتوقف عن استخدام المعايير بل أن ندرسها ونعرف إيجابياتها وسلبياتها وهل تتناسب مع احتياجاتنا؟.