الأربعاء، 29 مارس 2006

ذكريات بحرية متفرقة

التقيت اليوم بأحد الأصدقاء، شخص ظريف يخلط الجد بالهزل، التحق بعمل يتطلب السفر والعمل خارج أبوظبي لذلك لا أراه كثيراً هذه الأيام، عندما ألتقيه أستعيد ذكريات الماضي وغالباً ما نتحدث عن ذكريات الماضي، كان صديقي هذا يملك قارباً صغيراً يعمل بمحرك صغير، المحركات البحرية الصغيرة تدار يدوياً، لكي تشغلها يجب أن تجر حبلاً في رأس المحرك بسرعة، بعد ذلك عليك أن تمسك بعصا وتديرها لكي يتحرك القارب، والعصا أيضاً تستخدم للتوجيه، فإن أردت الذهاب إلى اليمين عليك أن تدير العصا إلى اليسار، والعكس بالعكس.

كنا نذهب لصيد السمك، أو نتجول، أتذكر مرة أن صديقي أدار العصا ليجعل القارب يسير بسرعته القصوى ثم ترك العصا ليبدأ في الغناء بصوت عال ويصفق بيديه! ما أثار استغرابي هو المحرك، لأنه لم يتوقف كما يفترض به أن يفعل، فبقي القارب يسير بدون أن يقوده أحد وصديقي في عالمه الخاص يغني ويصفق!

في يوم آخر كنا في طريقنا إلى جزيرة ما، تسمى لدنيا "الدفن القديم"، هذه الجزيرة كما أخبرني أبي لم تكن موجودة من قبل، لكنها الآن موجودة بسبب حفر قاع البحر لتكوين ممرات صالحة للقوارب، عندما حفرت الممرات ألقي بالتراب الناتج عن الحفر في مكان واحد لتتكون الجزير، المهم أننا كنا في طريقنا إليها ولحق بنا شاب على دراجة مائية أو ما نسميه الجيتسكي، كلانا نعرف الشاب، شخصياً درست معه في المرحلة الابتدائية، لكنه كان يريد أن يستخدم دراجته المائية ليقذفنا ببعض الأمواج، لا ضرر من فعل ذلك سوى أن تبتل من رأسك حتى أخمص قدميك، لكننا انطلقنا سريعاً نحو منصة عائمة صغيرة، ودرنا حولها بشكل خطير وسريع ولحق بنا الشاب واستمر الوضع هكذا لبضعة دقائق حتى بدأت دراجته النارية تخرج دخاناً أبيضاً، فابتعد وهو يردد: عطيتوها عين، أي حسدناها!

في إجازة نهاية الأسبوع نخرج صباح كل خميس وجمعة باكراً لكي نصطاد السمك، لا نذهب بعيداً فهناك منصات عائمة صغيرة منتشرة على طول الساحل الغربي لأبوظبي، هذه المنصات مهمتها إرشاد السفن في الليل والنهار، كنا نربط القارب بهذه المنصات ونبدأ في الصيد، غالباً ما نستخدم أسلوب "الشب" في الصيد، وهو أسلوب بسيط، في نهاية الخيط هناك ثقل مصنوع من الرصاص، عليك أن تجعل هذا الثقل يصطدم بالقاع، ثم تجره وتتركه مرة أخرى يصطدم بالقاع ثم تجره مرة ثانية وهكذا تستمر في هذه العملية، غالباً ما يربط في نهاية الخيط خمس صنارات - نسميها بلهجتنا: ميادير ومفردها ميدار - هذه الصنارات تكون مموهة على شكل حشرة، وحركتها الدائمة تجعل السمك ينجذب نحوها، وفي الكثير من الأحيان تصيب الصنارة السمكة في أي جزء من جسمها بدلاً من أن تقوم السمكة ببلع الصنارة.

غالباً ما تستغرق رحلة الصيد هذه بضعة ساعات نعود بعدها إلى الشاطئ ولم أكن شخصياً أهتم لأمر السمك فما يهم هو الصيد نفسه وقضاء الوقت في شيء ممتع مع الأصدقاء.

في تلك الأيام كان الكثير من الشباب والمراهقين يملكون قوارب صغيرة، وقد كانت هذه القوارب سريعة، وكنا ننظم سباقات بين حين وآخر، وفي الغالب يكون التنافس على أشده بين مجموعة صغيرة من القوارب، وبعض المتسابقين يقومون بتحسين قواربهم لتكون أسرع، فبعضهم يقوم بتحسين انسيابية المحرك، والبعض الآخر يرفع المحرك قليلاً، والبعض الآخر يقوم بتنظيف القارب من الشوائب، وكل مالك يختار مرافقاً له.

كذلك كنا ننظم مسابقات لصيد السمك والفائز هو من يأتي يحصل على أكبر وزن للأسماك، أتذكر حادثة صغيرة في إحدى المسابقات، حيث طار محرك أحد القوارب عالياً وحط في على بعد أمتار من القارب وبلعه البحر، الحمدلله لم يصب أحد بشيء.

هذه ذكريات متفرقة لسنوات المراهقة، البحر كان في ذلك الوقت هو المكان الرئيسية لقضاء الوقت، لا زال جزء مني يدعوني للعودة إلى البحر، كنت في تلك الأيام أخرج من المدرسة وأذهب إلى البحر، في الغالب لا أجد أحداً هناك، لكن يكفي أن أنظر في القوارب والناس والطيور، هناك الكثير من الذكريات التي تستحق التدوين وتستحق أن أنشر صوراً عنها قبل أن تختفي بمرور الزمن.

أما صديقي، فقد أخبرته مراراً أنني أريد شراء قاربه إن فكر في بيعه وقد وافق على ذلك، مرت السنين ثم باع القارب على شخص آخر! بالطبع لم يتذكر أنني أريد شراءه، لكنني حتى الآن أشعر بغصة عندما أتذكر الأمر، ربما أقوم في المستقبل بشراء قارب مماثل ... ربما!