الثلاثاء، 4 أبريل 2006

ما قصة المرأة غير المنتجة؟

هناك فكرة يرددها البعض مراراً وتكراراً في وسائل الإعلام مفادها أن المرأة التي تجلس في المنزل تربي أطفالها هي امرأة غير منتجة، وهذا في رأيي حماقة جاءت إلينا من مجتمعات مادية ورددها لدينا بعض من ينبهر بكل شيء أتى من وحي الغرب، أما وحي السماء فعند هؤلاء تخلف ورجعية.

عندما أدخل في نقاش مع أصدقائي حول الزواج وتكاليفه أذكر لهم دائماً شروطي التي أريد فرضها قبل الزواج، وهي شروط بسيطة:

  • لا خادمة ... نهائياً، أنا مستعد للقيام بما أستطيع من أعباء المنزل وعلى الزوجة تحمل جزء من هذه الأعباء أيضاً.
  • إن كانت الزوجة تعمل ورزقنا الله بطفل فيجب أن تخرج من العمل وتتفرغ لتربية الطفل.
  • حفل الزفاف في المنزل أو في المسجد ولا ثالث لهما.

يقول أحد أصدقائي: إنك تحلم وتطلب المستحيل! قلت: فليكن! وإن لم يقبل أحد بهذه الشروط فالعزوبية خير لي وأنا حامل لواء العزوبية!

دعونا من الشرط الأول والثالث ولنركز على الثاني، هل أنا متخلف لمجرد أنني أشترط أن تبقى الأم مع طفلها؟ أنا في نظر البعض أعتبر من أشد المتخلفين والرجعيين، لكن دعونا نقارن بقاء الأم في المنزل مع الخيارات الأخرى، يمكن للطفل أن يبقى مع الخادمة، ويمكن أن نرسله إلى حضانة، ويمكن للأم أن تحمله معها إلى العمل، ويمكن أن يبقى مع أقاربه مثل الجدة أو العمة أو يبقى مع الجيران.

أي هذه الخيارات أفضل للطفل؟ إن لم تكن من المراوغين الراغبين في الجدال العقيم فالعقل والقلب يجمعان على أن بقاء الأم مع طفلها في المنزل هو أفضل خيار، خصوصاً في أول سنوات من عمر الطفل.

وهناك سؤال بسيط أود أن أطرحه على الآباء خصوصاً: ما هي التربية؟ في الكثير من الأحيان الآباء يجيبون على هذا السؤال على أرض الواقع عملياً، فهم يعملون ويكدون لسنوات من أجل أبنائهم، يجمعون الأموال من أجل رفاهية الأبناء لكنهم لا يجلسون معهم لدقائق كل يوم، إن كنت أحد هؤلاء الآباء فأنا أشعر برغبة في شدك من أذنك وأنا أقول: عيب ... عيب وأنت في هذا السن ولا تعرف معنى التربية!

التربية هي أن يجلس الأبوين مع أبنائهما، يلعبان معهما، يمشي الأب على أربعة ويركب الابن على ظهره، يتسابقان فيتأخر الأب متعمداً لكي يسبق الابن ثم يحتفلان بفوز الابن كأنهما فازا بمراثون عالمي! التربية أن تحكي الأم لأبناءها قصة، أن تقرأ معهم بعض الكتب، تعلمهم كتاب الله، يخرجون معاً في رحلة، يغرس الأبوين القيم والمبادئ والأخلاق في شخصيات أبنائهم من خلال أحداث اليوم، يستمع الأبوين لهموم أبنائهما ويحاولان فهم مشاعرهم وأحاسيسهم.

هذه هي التربية، وهي مهمة شاقة صعبة، ومن كان يظن غير ذلك فعليه ألا ينجب الأبناء ولا يتزوج، للأسف البعض يظن أن التربية هي الضرب والتسلط وقول: لا وبس وهات واسمع الكلام أنا أبوك ... أنا أمك! وما يزيد حنقي فهم البعض أن الأبناء عليهم السمع والطاعة لأن الله أمرهم بذلك، بينما ينسون أنهم هم سيقفون أمام الله وسيحاسبون على التقصير في حق أبنائهم.

هل يمكن تحقيق التربية الصحيحة بأن يرمي الآباء أبنائهم إلى الخدم؟ أو أن تكون الأم مشغولة بهم وبالعمل فتحمل بدل الهم هموماً؟ المجتمع يظلم المرأة حينما يطالبها بممارسة الأعمال الشاقة داخل المنزل وخارجه، تربية الأبناء ومتابعتهم مهمة صعبة لا تقل شأناً عن أي عمل آخر، الأم المربية الصالحة ليست أقل شأناً من أي امرأة أخرى، بل هي في نظري الأفضل والأعلى شأناً وتستحق كل احترام لأنها تقوم بأهم دور في الحياة.

حتى لو نظرنا للقضية من ناحية مادية بحتة، سنجد أن بقاء الأم في المنزل لتربية أبناءها سيكون في صالح الاقتصاد، قرأت في مجلة ما لا أتذكرها الآن عن دراسة أجريت في الولايات المتحدة تؤكد أن عدم بقاء الأم مع أبناءها يكلف الاقتصاد الأمريكي الملايين، لأن الأبناء في المستقبل سيصبحون مراهقين غاضبين حانقين على كل شيء فيدمرون المرافق العامة ويرتكبون الجرائم، بينما الطفل الذي أحيط برعاية الأسرة لن يفعل ذلك لأنه يشعر بالأمان النفسي في المنزل، أتمنى لو أنني أستطيع الوصول للدراسة حتى أكتب بالتفصيل عن الأرقام.

مع كل ما قلته هنا، ستبقى وسائل الإعلام وبعض الناس يرددون فكرة واحدة: إنتاجية المرأة يعني أن تخرج من المنزل وتعمل في وظيفة ما وغير ذلك لا يعتبر إنتاجية ومساهمة في المجتمع، وهذا ما أعتبره حماقة وظلماً للمرأة.