الجمعة، 1 سبتمبر 2006

تذكر: الهاتف مجرد وسيلة لا أكثر

كم أكره الهواتف النقالة ... أعتقد أن بعض أصدقائي سمعني أقول هذه الجملة عشرات المرات وقرأها بضعة مرات، _أنا شخص احب الانعزال والابتعاد عن الناس ولا أحب المناسبات الاجتماعية_، أستطيع التعامل مع الغرباء بدون أي تردد لكنني لا أستطيع تكوين علاقة جيدة مع الناس، أعلم أنني شخص غريب الأطور ولا يحتمل، وأرجو ألا يقول لي شخص ما أنني لست كذلك لأنني أعرف نفسي جيداً.

ما أكرهه في الهاتف النقال أنني شخصياً لا أحتاجه، بل أقتنيه لأن الآخرين يتصلون بي وغالباً لا أرد على أي مكالمة، في بعض الأحيان أتجاهل وجود الهاتف لأيام ثم أجد أنه لم يتصل بي أي شخص، في بعض الأيام أترك الهاتف لبعض ساعات في أي مكان في غرفتي وأعود له لأجد أكثر من خمس مكالمات، ما الذي يجعل الناس يتصلون فجأة في نفس الوقت؟! المشكلة أني أي مكالمة لم أرد عليها تشعرني بالخطر والرهبة لأنني أظن أن هناك مصيبة ما حدثت، لا أحب الاتصال بالآخرين لأنني لا أريد أن أضع نفسي في موقف محرج من الاعتذارات، كيف أشرح لهم سبب عدم ردي على اتصالاتهم؟ لماذا لا يرسلون رسائل قصيرة تشرح ما يريدون؟ لماذا لا يراسلونني عبر البريد الإلكتروني؟ إن كان هناك أي عمل يجب إنجازه أعتقد أن الرسائل أفضل وسيلة لإخباري بذلك، أما المكالمات الهاتفية فهي تجبرني على أن أكون اجتماعياً وهو أمر لا أتقنه ولا أعتقد أنني سأتقنه لأنني حاولت كثيراً وفي كل مرة تكون النتيجة مأساوية، لا يمكن للمرء أن يكون متفوقاً في كل شيء.

المكالمات الطويلة تجعلني أكره الهاتف النقال أكثر وأكثر، يمكنني أن أتخيل امرأة تتحدث في الهاتف لساعة أو ساعتين، لا مشكلة في ذلك، ربما لأنها لا تستطيع الخروج من المنزل لذلك تتحدث مع الأصدقاء أو الأقارب لساعات طويلة كل شهر، لكن ما عذر الرجال؟ ما الذي قلب الموازين وجعل الشباب والرجال يتحدثون لساعات طويلة في الهاتف؟ إن كنت تريد مكالمة طويلة معي فالأفضل أن تخرج من منزلك وتحدثني وجهاً لوجه، لا معنى للحديث عبر الهاتف لأنه مزعج، لأنه كما أرى وسيلة لإنجاز العمل وليس وسيلة لقضاء الوقت.

أستغرب فعلاً عندما أكون في مقهى أو مطعم وأرى شخصان يجلسان على طاولة واحدة وكل واحد منهم يتحدث في الهاتف! أرموا هذه الهواتف بعيداً وتحدثوا مع بعضكم البعض، وكم أكره من يتحدث في الهاتف ويظن أن العالم من حوله لا يسمعه فيرفع صوته ليسمعنا جميعاً قصته وقصة من يحدثه وقد يستخدم ساقط الكلام كما تعود أن يفعل عندما يتحدث إلى أصدقائه، عندما أشاهد أحدهم يفعل هذا أمامي أشعر أنني أريد أن أركله وأحطم هاتفه.

الأسوأ من كل هذا من يستخدم هاتفه في المسجد، هنا أشعر حقاً بأنني على بعد خطوة واحدة من أن أمد يدي لكي ألقن صاحب الهاتف درساً في الأدب أمام جميع المصلين، أحدهم وقبل خطبة الجمعة رن هاتفه معلناً عن وصول مكالمة هاتفية، نغمة الرنة كانت أغنية من مغنية ساقطة، نظرت له نظرة ذات معنى، ظننت أنني أنظر إلى بشر سيفهم أن عليه وضع هاتفه على وضع الصامت، لكنه لم يفهم، رن هاتفه مرة ثانية قبل الخطبة أيضاً، هذه المرة نظر له مجموعة من الرجال لكنه لم يكترث، وتكرر الأمر أثناء الخطبة وأثناء الصلاة، والرجل لم يتعب نفسه بأن يقفل هاتفه احتراماً للمسجد، ألا يستحق هذا وأمثاله أن تصادر هواتفهم وتحطم أمامهم؟!

يسألني أحدهم: كيف سنتصل بك بدون هاتف؟ كيف سأخرج معك؟ أقول وبكل بساطة: حدد موعداً معينا وستجدني جاهزاً قبل الموعد، ولكي أوضح الأمور أكثر، الموعد هو أن تختار ساعة معينة في يوم محدد وتقول لي: سنلتقي في هذه الساعة في يوم كذا وكذا في المكان الفلاني، هكذا تعطيني كلمة رجل، وأنا سألتزم بهذه الكلمة، وفي الغالب سأكون موجوداً قبل الموعد ببضعة دقائق، وإن لم أستطع سأخبرك قبل وقت كاف بذلك.

لكن هذه مثالية زائدة هنا، من الغريب حقاً أن البعض لا يريد أن يحدد موعداً، لا يريد أن يعطيني كلمة ويلتزم بها، لا يرغب أن يعطيني كلمة لأنه قد يتعرض لمشكلة ما تمنعه من الحضور، لكن أليس هذا هو الهدف من المواعيد؟ أعني أن تحدد موعداً لكي تلتقي بشخص ما بعد بضعة أيام، ثم يأتي صديق ما ويريد منك أن تقوم بعمل شيء ما له في نفس وقت الموعد، هنا تأتي فائدة تحديد الموعد لأنك تستطيع أن تقول لهذا الصديق: آسف ... لدي موعد مع شخص ما.

أنا لا أفهم! هل هذا الأمر صعب أم أنني أنا الشخص الذي يبحث عن مثالية لا يمكن أن أجدها إلا في الأحلام والأساطير وكتب الإدارة؟!

لكن مع كل ما قلته، يبدو أن الهاتف النقال أصبح شراً لا بد منه، إن كنت تملك هاتفاً نقالاً فعليك بأن تتذكر التالي:

* نغمات الهواتف على اختلاف أنواعها سخيفة وتجعلني أظن أن صاحبها طفل صغير، استخدم نغمة تنبيه بسيطة واحترم نفسك ولا تستخدم أي أغنية.
* إذا دخلت إلى المسجد فتذكر أن المسجد ليس ملكك وحدك، وأنت دخلت بيت الله لا بيتك، فأغلق هذا الهاتف أو ضعه على وضعية الصامت، هذا الخيار لم يخترع إلا لمثل هذه الأماكن.
* إذا كنت موجوداً في أي مؤتمر أو محاضرة أو دورة تدريبية فعليك أيضاً أن تنسى هاتفك، لا تحضره معك، أو أغلقه، أنت هنا لكي تستمع وتستفيد فلا تزعج الآخرين، وإن أصررت على أن تحضره معك لأنك "قد تتلقى مكالمة ضرورية" فعليك ألا تحضر المحاضرة أو الدورة، إبقى مع هاتفك بعيداً عن الناس واستمتع بصحبته!
* أغلق هاتفك بين حين وآخر، لمدة يوم على الأقل كل شهر، تذكر أنك تستطيع أن تعيش بدونه، إن كنت متزوجاً فعليك أن تفعل ذلك من أجل زوجتك وأطفالك.
* من الأدب ألا ترد على أي مكالمة هاتفية وأنت في جلسة مع أحد أصدقائك أو زوجتك أو عائلتك، وإن كان من الضروري أن تفعل ذلك فاستأذن منهم أولاً واعتذر لهم بعد أن تنتهي من مكالمتك التي يجب ألا تطول.
* تذكر أن الهاتف مجرد وسيلة لتبسيط حياتك، لكنه قد يسيطر على حياتك ويجعلها جحيماً لا يطاق إن سمحت له بفعل ذلك.