طبيعة مجتمعاتنا وأنظمة التعليم لدينا تجعل أفراد المجتمع نسخاً متطابقة، تجعلهم يحبون التقليد ويكرهون المبتكر، يكرهون الاختلاف، فلو حاول أي شخص أن يفعل شيئاً مختلفاً لم يعتد عليه المجتمع سيجد من يقف ضده وضد اختلافه وربما يجد من يحاول إجباره العودة عن تفكيره "العبيط" وقد تصل الأمور إلى مستوى أخطر بكثير من مجرد النقاش، قد تصل إلى اللكمات والصفعات والشتائم وفي بعض الأحيان المسدسات والسكاكين!
أحب كلمة "عبيط" هذه ولا تسألونني عن السبب! عن ماذا كنت أتحدث؟ ... نعم! التغيير في مجتمعاتنا صعب، ولكي تسير في هذه الحياة عليك أن تصبح مثل الجميع، تلبس نفس الثياب، تفعل نفسي الأشياء، وتفكر بنفس الأفكار، إحذر أن تكون مختلفاً ... هذا شعار نردده كثيراً بأفعالنا.
حتى عندما يريد البعض أن يطبق شرع الله كما هو بدون تدخل عاداتنا القبيحة سيجد معارضة واستنكاراً من المجتمع، فمثلاً يأتي شاب لعائلة ما يطلب يد ابنتهم، يقوم الأب بعمله ويعرف أخلاق الشاب ولنفترض أنه إنسان صالح في وظيفة جيدة أو يملك عملاً تجارياً مربحاً، بعد ذلك لا يجد الأب مشكلة في أن يجلس هذا الشاب مع ابنته للحديث قبل الزواج لكي يستطيع الشاب والفتاة تقرير ما إذا كان الشخص الآخر مناسباً له، هذا اللقاء "الحلال" الذي أقره شرعنا يجده البعض عيباً كبيراً ويحاربه لمجرد أن "عاداتنا وتقاليدنا" لا تفعل ذلك.
الأمثلة كثيرة لكن الزواج وما يحيط به هو أبرز مثال، وفي مجال العمل أيضاً أمثلة كثيرة، مدراء يقولون لا لأي شيء جديد، لا للتطوير ما لم يحمل هذا التطوير أسمائهم، لا للتغيير الذي قد يعرض مناصبهم للخطر، لا لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب لأنه قد يشكل خطراً عليهم، لا لأي شيء خارج عن المألوف.
إن كنا نريد التطور والتقدم فلا بد من الابتكار والتجديد والسير كل يوم خطوة للأمام، هذا ما تفعله الشركات في اليابان وغيرها، حيث أن التطوير لا يأتي فجأة من فكرة خارقة بل يأتي على شكل أفكار صغيرة بسيطة يمكن تنفيذها.
الابتكار هو مبدأ بسيط يقوم على تقبل التغيير والتطوير وعدم معارضته ما لم يكن في التغيير أمر يرفضه شرعنا، أعني بذلك أن الابتكار هو حالة فكرية تجعل صاحبها يقول لكل شيء جديد: لم لا؟ لنجرب ولنرى النتيجة، ولا تجعله يرفض أي جديد لمجرد أنه لا يعرفه أو لم يجربه من قبل.
لماذا أتحدث عن ابتكار الأفكار؟ وما علاقته بالبحث عن المعلومات؟ لهما علاقة وثيقة، من ناحية تصلني رسائل تطلب مني تقييم أو تقديم أفكار مشاريع تجارية أو أبحاث جامعية ومن ناحية أخرى البحث عن المعلومات خطوة مهمة للابتكار.
في البداية عليك أن تلغي هذا الشعور الذي يمنعك من الابتكار، عندما أطلب من بعض الناس أفكاراً حمقاء مجنونة وسخيفة أرى منهم تردداً وخوفاً، لماذا؟ ما المشكلة لو قلت أنني أستخدم الأقلام لتناول الطعام بدلاً من الملاعق؟! نعم فكرة مجنونة لكن ما المشكلة فيها؟ لا أطلب منك أن تطبقها في حياتك، لكن فقط تخلص من هذا الخوف والخجل الذي يمنعك من أن تفكر كالأطفال حيث لا توجد أي حدود لخيالك وحيث كل الأفكار معقولة.
الابتكار لا يختلف كثيراً عن لعب الأطفال حيث تجدهم يبتكرون ألعاباً جديدة أو يضيفون أفكاراً جديدة لألعاب قديمة، لكي تبتكر عليك أن تلعب وتمرح وتستمع بالأفكار الغريبة، ما المانع من قيامك بعمل تدريب بسيط كل يوم، ابتكر مئة طريقة لاستخدام شيء ما كالأقلام أو إطارات السيارات أو الأبواب، لا داعي لأن تكتب شيئاً فقط تخيل كل شيء في عقلك، تخيل أنك تصنع من أحد أبواب أجنحة تركبها على ظهرك وتقفز من فوق بناية عالية لتهوي سريعاً نحو الأرض وتودع الحياة فوراً ... لا لا! ألغي هذه الفكرة! تقفز من البناية لتهوي سريعاً، وكما في الأفلام الأمريكية - أو الهندية إن كنت تفضلها - وفي آخر لحظة تحلق عالياً!
تخيل أنك وضعت أربع قوائم مصنوعة من الإسمنت ووضعت عليها الباب، لديك طاولة! إقسم الباب نصفين وضع أحدهما أمامك والآخر خلفك، لديك لوحة إعلانية متحركة، يمكن للباب أن يصبح سريراً أو سيارة أو طائرة - ربما البساط الطائر فكرة أفضل هنا - أو أي شيء، ابتكر فقط ودع هذه الأفكار في عقلك، لا داعي لأن تخبر الناس بها إن كنت تظن أنك ستلقى ردة فعل سلبية.
هل وصلت الفكرة؟ أعني فكرة التخلص من الخوف والخجل؟ أظن ذلك فلا حاجة للمزيد من الأمثلة هنا، دعونا نعود للواقع، هناك الكثير من المجالات التي يمكن أن نستفيد فيها من الأفكار المبتكرة، منها:
- كتابة البحوث أو عمل مشروع للجامعة.
- إنشاء مشاريع تجارية.
- تطوير العمل أو بيئة العمل.
- إنشاء المواقع.
ذكرت هذه مجالات الأربع لأن أغلب الرسائل التي تصلني تتحدث عنها.
إذا كنت تريد عمل مشروع للجامعة أو مشروع تجاري ويهمك أن تكون فكرة مشروعك مبتكرة فعليك البحث أولاً عما هو موجود، إذا كنت تريد إنشاء مشروع جامعي لبرنامج مبتكر فعليك أن تبحث عن الذي أنجز من قبل، أو أن تبحث عن مشكلة لم يعالجها أحد من قبل على الأقل في العالم العربي أو في دولتك، كيف تبحث؟ هذا ما تحدثت عنه في موضوع سابق.
إسأل الناس، زملائك وأساتذة الجامعة أو أصحاب المشاريع التجارية، إبحث في المكتبات وابحث في الشبكة، هذا البحث في حد ذاته سيعطيك الكثير من الأفكار، ستعرف ما هو موجود وما ينقص المجتمع وبالتالي تستطيع أن تفعل شيئاً جديداً، وكنتائج جانبية قد تحصل على أفكار رائعة لأشياء أخرى لم تخطر على بالك من قبل، احتفظ بها ولا تترك أفكارك تتعفن!
إذا وصلت إلى هذه المرحلة فلن تحتاج مني إلى أي فلسفة حول الإبداع، قم بعمل ما لم ينجز من قبل فهذا أكثر من كافي لكي يكون العمل مبتكراً.
تقييم الأفكار
هناك مشكلة تتعلق بالأفكار التي نتوصل لها، فنحن متعلقون بها لدرجة تجعلنا لا نرى مدى فائدة الفكرة أو إمكانية تنفيذها أم لا، فمثلاً أجد بعض الشباب متحمس لإنشاء محل هواتف نقالة لا مثيل له، وفي الحقيقة هذا المجال مشبع بالمحلات ومن الصعب التنافس فيه وللدخول فيه عليك بفكرة مبتكرة فعلاً لم يسبقك لها أحد.
مثال آخر، لعل بعضكم يذكر فكرة موقع تبادل كتب والتي تمنيت من كل قلبي أن تنفذ، وقد نفذت والحمدلله في موقع سمى نفسه موقع تبديل وبيع الكتب المستعملة، تسمية بسيطة لموقع مفيد، سأبدأ في استخدامه قريباً.
المهم أن هناك رسالة وصلتني حول هذه الفكرة أراد صاحبها تطبيقها في موقع وقد أخبرته أنها نفذت بالفعل فعدل عنها، وهذا الصحيح لأنه لا فائدة من تكرار نفس الأفكار مع توقع نتائج مختلفة إلا في حال قمنا بتطوير الأفكار لتصبح أكثر فعالية وفائدة.
لكي تقيم الفكرة عليك أن تسأل:
- هل هي مكررة؟
- هل هي مميزة؟ إن كانت الإجابة بنعم فكيف هي مميزة؟
- هل يمكن تطبيقها؟ لا فائدة من الفكرة إن كانت غير معقولة.
- هل أريد أنا أن أنفذها؟ في بعض الأحيان تكون لديك أفكار رائعة لكنك لا تريد تنفيذها لأي سبب، شارك الآخرين بها.
ربما عليك أيضاً أن تسأل الناس لكن احذر هنا من المثبطين، إسأل شخصاً تثق بحكمه وتثق أنه لن يثبط همتك لمجرد أن فكرتك جديدة مبتكرة.
هل هذا كل شيء؟
لا، لأن هذا الموضوع واسع كبير ولو حاولت كتابة المزيد لأصبح هذا الموضوع كتيب مصغر، إبحث عن الابتكار والإبداع في الشبكة وستجد المزيد من المواضيع.
ما رأيك أن تلعب قليلاً في الرد على هذا الموضوع؟ ابتكر عشرة أفكار لأي شيء، لتكن الأفكار سخيفة ومضحكة فنحن بحاجة إلى نضحك قليلاً، لا تخشى من شيء ولا تخجل وشاركنا.