في الثمانينات والتسعينات كانت هناك شبكة حواسيب في دولة ما حققت نجاحاً كبيراً واستطاعت أن تبدأ تجارة إلكترونية وقدمت العديد من الخدمات في حين أن بقية دول العالم لم تعرف هذا النوع من الخدمات إلا في منتصف التسعينات حينما بدأت مواقع الويب التجارية بالظهور، هل تستطيع أن تسمي لي هذه الشبكة؟ لا ليست الإنترنت لأنها كانت شبكة مخصصة لأغراض عسكرية وأكاديمية حتى بدايات التسعينات، وهي أيضاً لا مركزية فليس هناك مركز رئيسي يتحكم بالإنترنت، بينما الشبكة التي أتحدث عنها مركزية وتتحكم بها شركة واحدة.
الشبكة التي أتحدث عنها هي مينيتيل، شبكة فرنسية أنشأتها الحكومة الفرنسية لأغراض مدنية، وصل عدد مستخدمي الخدمة في 1999م إلى 25 مليون مستخدم، لكن من الصعب تحديد عدد المستخدمين بدقة لأن الاشتراك الواحد قد يستخدمه أكثر من شخص واحد، ولاحظ أن هذا عدد المستخدمين في عام 1999م أي في نفس الفترة التي بدأت فيها شبكة الويب بالانتشار والتوسع عالمياً، فكيف حققت الشبكة هذا النجاح؟
البداية في عام 1982م حيث قامت شركة الاتصالات الفرنسية فرانس تيليكوم المملوكة آن ذاك للحكومة الفرنسية بإنشاء الشبكة الإلكترونية ووزعت حواسيب صغيرة على المستخدمين مجاناً، وهي حواسيب طرفية بسيطة يمكنها الاتصال بشبكة مينيتيل وغيرها ويمكنها عرض النصوص والصور باستخدام تقنية تسمى VideoTex.
الشبكة ومنذ أيامها الأولى قدمت خدمات عديدة:
- المعلومات والإحصائيات الحكومية.
- أدلة المكتبات لحجز الكتب.
- شراء تذاكر الطيارات والقطارات.
- التجارة الإلكترونية.
- دفع الفواتير إلكترونياً.
- البحوث والأدب والشعر.
- المنتديات وغرف الدردشة والبريد الإلكتروني.
- الصحف والمجلات.
- دليل الهاتف.
- دليل الصفحات الصفراء.
- الألعاب.
- وغيرها الكثير.
الشبكة تقدم أكثر من 26 ألف خدمة، وهناك شركات تقدم خدماتها الخاصة، أي أن المستخدم يمكنه الاتصال بها مباشرة بدون الحاجة إلى الاتصال بشبكة مينيتيل، ويمكن للمستخدم أيضاً الاتصال بأي خدمة مماثلة خارج فرنسا.
هذه هي خدمة مينيتيل باختصار، إحدى أنجح شبكات الحاسوب قبل ظهور الويب وبقيت مشهورة وناجحة حتى بعد ظهور الويب، ومع اشتداد المنافسة قامت فرانس تيليكوم بتطوير أجهزة مختلفة للخدمة تحوي خصائص أكثر تطوراً، ثم طورت برامج يمكن من خلالها استخدام مينيتيل من خلال أي حاسوب أو هاتف نقال أو حاسوب كفي.
حاول البعض في دول أخرى تقديم خدمات مماثلة لكن لم يصل أحد إلى مستوى نجاح مينيتيل، فالشركات الأخرى حاولت بيع الأجهزة بدلاً من تقديمها مجاناً، أو جعلت تكلفة الاتصال عالية إلى حد تصبح معه الخدمة غير عملية على المدى الطويل، مينيتيل لم تفعل ذلك، فالجهاز يؤجره المستخدم ولا يملكه وتكلفة الإيجار بسيطة، وكذلك تكلفة الاتصال بسيطة، ثم شجعت الشركات ومقدمي المحتويات على المشاركة في الخدمة، وشجعت الناس على اقتناء الأجهزة بتقديم فترة استخدام مجانية وكذلك بإيقاف توزيع أدلة الهاتف وإخبار الزبائن بأن أدلة الهاتف أصبحت رقمية.
من ناحية تقنية، الأجهزة تعتمد معايير موحدة، لأن مقدم الخدمة شركة واحدة وهي التي تصمم الأجهزة فلن تكون هناك مشكلة عدم توافق بين الأجهزة والخدمة، ثم الخدمة أكثر أماناً وبساطة من مواقع الويب، وهناك أناس يعتمدون عليها كلياً ولا يستخدمون الإنترنت على الإطلاق.
باستخدام مينيتيل يمكن للمستخدم سحب مبالغ مالبة من حسابه في البنك، ودفع الفواتير، وشراء الأسهم ومتابعتها، والتسوق في المحلات الكبرى وكذلك في البقالة القريبة التي ستقوم بإيصال البضائع في نفس اليوم، يمكن للمستخدم أيضاً قراءة الصحف والمجلات ومعرفة آخر الأخبار ومعرفة آخر الأحداث والفعاليات الرياضية والثقافية والتجارية.
هل يمكن أن تنجح لدينا؟
تصور أن الخدمة ستقدم في بلدك هل يمكن لها أن تنجح اليوم مع وجود شبكة الويب؟ شخصياً أرى أن هناك إمكانية كبيرة لنجاحها بشروط:
- أن تقدم كبديل للهاتف التقليدي، فقد قرأت أن شركة الاتصالات الإماراتية تبحث في وسائل تطوير الهاتف التقليدي، وأظن أن مثل هذه الخدمة ستكون تطويراً رائعاً للهاتف، ويجب ألا تسوق الخدمة كبديل للإنترنت.
- يجب أن يؤجر الجهاز بتكلفة منخفضة.
- تكلفة الاتصال يجب أن تكون مماثلة لتكلفة اتصال هاتفي.
- يجب توفر خدمات متنوعة كثيرة ومن أهمها التسوق الإلكتروني، للأسف مواقع الويب لم تنجح حتى الآن في تحويل الناس إلى التسوق الإلكتروني لأسباب مختلفة، مثل هذه الخدمة يمكنها أن تنجح إن تعاونت البنوك والشركات.
- يجب أن تتحول الخدمة إلى وسيلة اتصال اجتماعية، فالإنترنت شبكة عالمية وأي موقع يمكن لأي شخص أن يزوره، بينما خدمة مينيتيل وما يماثلها مخصصة فقط لأهل البلاد.
هناك جهاز يسمى E-m@iler يقدم العديد من الخدمات لمستخدمي الهاتف، أظن أن هواتف المستقبل يمكنها أن تكون بهذا الشكل بدلاً من بقاءها كما هي اليوم، ثم يمكن لمثل هذه الخدمة أن تكون مفيدة للمناطق النائية من الدولة والمناطق التي يصعب فيها تقديم خدمة إنترنت، بالنسبة للدول الفقيرة مثل هذه الخدمة يمكن أن تكون خطوة تسبق دخول الإنترنت.