الأربعاء، 23 يناير 2008

شبكات BBS - الجزء الثالث

الملايين من الناس يقومون كل يوم بمشاهدة ملفات الفيديو والاستماع للملفات الصوتية والتمتع بألعاب ثلاثية الأبعاد يتنافسون فيها مع أناس في الطرف الآخر من العالم، يلتقون في منتديات وفي شبكات اجتماعية تسمح لهم بتبادل الصور والفيديو والملفات، الكثير منهم يتمتع بأفلام يسهل الحصول عليها من الشبكة، فماذا يعني أن يكون حجم الملف أكبر من 1000 ميغابايت؟ يمكن إنزال هذا الملف بسهولة خلال ساعات قليلة أو أقل من ذلك، في بعض الدول هناك خطوط سريعة تجعل إنزال الملفات الضخمة عملية لا تستغرق سوى نصف ساعة، وفي المستقبل قد يتقلص هذا الوقت ليصبح دقائق معدودة.

هذا الهوس بالسرعة جعلنا نقيس الوقت الضائع بأجزاء من الثواني، يمكنك أن ترى هذا عند المصاعد، تصور أنك دخلت إلى بناية ذات طوابق عديدة ووقفت أمام المصعد وضغطت على الزر الذي يخبر المصعد بأنك تريد استخدامه وانتظرت، في هذا الوقت جاء رجل آخر ليستخدم المصعد، غالباً أي شخص يأتي سيضغط على نفس الزر مع أنه يعرف بأنك فعلت ذلك من قبل، لكنه غير قادر على أن يقف بدون فعل شيء، في بعض الأحيان أجد الناس يكررون الضغط على الزر كأنه فعل ذلك سيجعل المصعد يصل إلينا بسرعة.

في عصر شبكات BBS لم تكن هذه السرعات الكبيرة إلا حلماً يكلف آلافاً من الدراهم، فقد كان المرء منا يفكر جدياً قبل أن يقوم بإنزال ملف بحجم 2 ميغابايت لأن هذه العملية تتطلب وقتاً طويلاً وقد ينقطع الخط فيضطر إلى إعادة تنزيل الملف.

لم تكن شبكات BBS قادرة على عرض الصور أو ملفات الفيديو أو الملفات الصوتية، النص وحده هو الوسيلة الوحيدة للكتابة والتواصل والرسم، نعم ظهرت هناك تقنيات تسمح لشبكات BBS بعرض الصور لكنها لم تنتشر وتستخدم بشكل واسع.

الرسومات النصية

كان مشغلو التليغراف يعملون طوال العام وبعضهم كان يعمل في مناطق نائية بعيدة عن كل شيء، هؤلاء كانوا يعيشون في بيت صغير في منطقة لا يعيش فيها أحد سوى حيوانات البرية، وبعضهم كان يعيش في وسط الصحراء بين الصخور والرمال.

كان عمل هؤلاء تلقي رسائل التليغراف وإعادة إرسالها للمحطة التالية، لكن في بعض المواسم - مثل أعياد الميلاد - لم يكن أحد يستخدم التليغراف، فكان مشغلو الخدمة يرسلون لبعضهم البعض رسومات شكلوها بالحروف والأرقام.

مضى الزمن وكادت خدمة التليغراف أن تختفي وجاء الهاتف وجاء أيضاً الراديو، ظهرت هواية الراديو حيث يمكن لأي شخص أن يتدرب ويستخدم أدوات تسمح له بالحديث لأناس آخرين حول العالم من خلال أمواج الراديو، هواة الراديو نقلوا فكرة الرسوم النصية من مشغلي التليغراف، فكانوا يرسلون هذه الرسومات في الهواء فيتلقاها أناس آخرون حول العالم ليقوم هؤلاء بإعادة إرسالها لآخرين.

جاء الحاسوب بعد ذلك، أصبحت الرسومات النصية تطبع في أجهزة Teletype أو تستعرض على الشاشات، وفي عام 1979م قامت منظمة ANSI بوضع معيار قياسي للحروف يسمح للحاسوب بعرض نصوص سميكة أو تومض ويمكنه من التحكم بمكان ... مؤشر الكتابة ...، وفي الثمانينات قامت مايكروسوفت بإضافة هذا المعيار إلى نظام دوس في ملف سمته ANSI.SYS والذي سمي اختصراً ANSI، هذا الملف سمح للناس بعرض رسومات نصية ملونة وبتفاصيل أكبر، بالطبع يرى البعض أن هذا أمر عادي جداً فنحن في عصر فوتوشوب! لكن ما أتحدث عنه كان قبل فوتوشوب.

لكي ترى نماذج من هذه الرسومات قم بالبحث في غوغل عن ansi art وشاهد الصور، وأنبه هنا إلى أن جزء كبير من هذه الصور قد تحوي ما لا يسرك، لأن الكثير من هذه الرسومات قام بإنشاءها مراهقون لا يرون مشكلة في رسم الجماجم والدماء والمخلوقات الغريبة، لكن هناك أيضاً رسومات رائعة.

كيف ترسم هذه اللوحات؟ هناك محررات نصية خاصة بهذه الرسومات، هذه المحررات تعطيك إمكانية تكوين الرسومات من خلال مربعات ملونة وخطوطاً وأشكالاً مختلفة، أما الرسم فعليك أن تتخيل وتبدع في استخدام هذه الإمكانيات القليلة في إبداع شيء ما.

كان مالكو شبكات BBS يتبارون في تزيين شبكاتهم بهذه الرسومات، فلا يكفي أن تكون الشبكة سريعة وتعرض نصاً بلا ألوان بل لا بد من تزيينها وتغيير رسوماتها بين حين وآخر، لا بد من أن تسمح للزوار بإنشاء رسوماتهم الخاصة وتعطيهم فرصة لاستخدام الألوان في النصوص.

كان البعض يقوم بإنشاء رسومات ويطرحها للجميع ويحق لأي شخص أن يستخدمها كما شاء، هذا التوجه ظهر قبل أن نعرف شيئاً عن رخص المحتويات الحرة بوقت طويل، وكان البعض يكون فرقاً ويتنافس مع فرق أخرى لإنشاء أفضل الرسومات، كان البعض يطرح كل شهر ملفاً مضغوطاً يسمى Art Pak يحوي كل الرسومات التي قام بإنشاءها في الشهر الماضي.

ولا زال البعض يقوم بهذا العمل حتى اليوم.

النصوص هي الأساس

الملفات النصية على بساطتها يمكنها أن تقدم الكثير ويمكنها أن تكون مفيدة أكثر من أي ملفات أخرى، البعض لا زال يفضل العمل على الملفات النصية بدلاً من الاعتماد على ملفات doc أو أي صيغة أخرى، كانت شبكات BBS تحتفظ بعدد كبير من الملفات النصية التي قد تحوي مقالات أو كتباً أو طرائف أو دروساً حول أي شيء، كان بعضها يقدم معلومات غنية ومتخصصة في بعض الجوانب كالطب مثلاً، وبعضها يشرح كيفية تعديل الحاسوب وإضافة بعض القطع له، بعضها كان يشرح أموراً لا يجب على أي شخص أن يطبقها لأنها أعمال إجرامية، كل شيء - تقريباً - كان هناك.